إمبراطورية الجوع في تشاد



—مقال للكاتب —-إسحاق عبدالرحمن

تشاد هي واحدة من البقع الأفريقية التي عانت كثيراً من الفقر المدقع والبطالة وانعدام الفرص الاقتصادية وحالات عدم الاستقرار، وذلك تحت مظلّة حكم إدريس ديبي الذي وصل إلى أعلى مراحل الطغيان بعد أن تمسّك بالسلطة لعقودٍ طويلة، معتمدًا مبدأ "جوّع كلبك يتبعك".

وبعد سقوطه في ميدانِ الحرب مدافعاً عن حكمه في إبريل/ نيسان 2021، بعد أكثر من ربع قرن، تولى ابنه الإرث ومضى على نهج أبيه، وهو ما دعاني لتسمية البلاد بإمبراطورية الجوع على غرار إمبراطورية جان بيدل بوكاسا في أفريقيا الوسطى، الذي أعلن نفسه إمبراطوراً ولُقّب بالجلالة، وقد جسّد ديبي نفس الرغبة بطريقة أخرى، إذ منح نفسه رتبة المشير، رغبةً بالهيمنة والسلطة المطلقة.

وحاليًا، تواجه تشاد الواقعة في قلب أفريقيا تحدّيات هائلة تتعلّق بالأمن والاستقرار والتنمية المستدامة وانعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى ديكتاتورية قمعية تسعى إلى تحقيق توريث الحكم من الأب إلى الابن وتطبيق نظام الحزب الواحد بقمعِ أيّ صوت آخر ينادي بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ومن المؤسف أن تتقاعس الحكومة في دولةٍ غنية بمواردها الطبيعية وبيئتها الخصبة عن توفير أبسط مقوّمات الحياة لشعبها، وذلك بعد عقودٍ من حكم الحزب الواحد (الحركة الوطنية للإنقاذ)، لتعلن عن فشلها في تحقيق الأمن الغذائي وتعلن الطوارئ الغذائية مرّتين خلال فترة انتقالية واحدة.

وبحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي الصادر في العام 2023، يعيش حوالي 42% من السكان في تشاد في الفقر، وأكثر من 37% من الأطفال تحت سن الخامسة لديهم توقف في النمو، كما لا يزال الملايين متأثرين بنقص الاستثمارات في الضمان الاجتماعي، في حين يؤثر التغيّر المناخي والتصحر سلبًا على المحاصيل الزراعية.

تستمر إمبراطورية ديبي في استنزاف دماء التشاديين وإفشال مستقبل البلاد

قد تكون الظروف الجغرافية القاسية، وتغيّرات المناخ لعبت دورًا في إضعاف القدرة على إنتاج وتأمين الطعام في البلاد. فالتقلبات المناخية ونقص الموارد المائية تؤثّر بشكل كبير على الإنتاج الزراعي. كما أنّ الجفاف المتكرّر يجعل الأراضي غير صالحة للزراعة في العديد من المناطق ما يتسبّب في نقص الغذاء وارتفاع أسعاره.

اليوم، تستمر إمبراطورية ديبي في استنزاف دماء التشاديين وإفشال مستقبل البلاد، وهو ما تجلّى في فشل السلطة في عملية إنتاج الغذاء وقدرة الناس على الحصول عليه، وأيضًا في الاستجابة السياسية ليتربّعوا على عرش هذه الكارثة، بل وصل بهم الأمر إلى المتاجرة بهذا الوضع من خلال إعلانهم حالات الطوارئ الغذائية، ومطالبة الشركاء الدوليين بالمساعدة في واحدة من أسوأ عمليات التسوّل.

إنّ إعلان المجلس العسكري الانتقالي حالة الطوارئ الغذائية مرّتين خلال الفترة الانتقالية، في ظلّ توجيه الإنفاق العام إلى أهداف عسكرية وشراء الأسلحة، هو أمر سخيف ويظهر نيّة العسكر مواجهة أيّ محاولة لإطاحة نظامهم، وإن كان على حساب الشعب بأكمله.

وفي تكتيكٍ هزيل، رفعت الحكومة مؤخراً أسعار الوقود لتحقيق استفادة مالية من هذا الارتفاع لمساعدة الفقراء وتمويل المشاريع التنموية، كما برّرتها الحكومة، رغم أنّ الجميع يعرف أنّ هذا الفائض قد يتجه صوب شراء المزيد من الأسلحة بدلاً من تحسين أوضاع الفقراء.

ونتيجة لذلك، تشهد تشاد حاليًا موجة من الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية نتيجة لهذا الظلم والفساد الذي نتج عن حكم إمبراطورية ديبي، وقد تواجه حالات مجاعة شديدة إذا لم يُتدخَّل لإنقاذ الوضع.