في نهاية القرن الثامن عشر قبيل وصول السفاح "يوسف باشا القرمنلي الى سدة الحكم كانت اكبر قبيلة عربية في برقة هي قبيلة الجوازي الهلالية التي تتزعم الفريقين من قبائل المرابطين وقبائل السعادي
كانت قبيلة الجوازي تبسط نفوذها على كامل برقة فهي اكبر القبائل وأرهبهم جانبآ إلى حد أن الجازوي إذا أراد ان يركب حصانه إنحنى له عربان برقة لكي تكون ظهورهم موطئ قدم للجازوي
قبيلة الجوازي كانت لا تدفع الضرائب التي كان يفرضها والي طرابلس على قبائل الاخرى وربما دفعت أقل من غيرها وبشروط يضطر يوسف باشا قبولها لعدم قدرته على كبح جماح هذه القبيلة
الى جانب قبيلة الجوازي التي كانت متحكمة في مدن وقرى برقة فإن قبائل التبو التي كانت تقطن في الجنوب حيث واحات " تازربو و تازر وموزي " أيضآ كانت لا تخضع لسلطة الوالي فهي تتحكم بطرق تجارة الرقيق والماشية في الجنوب
سعى يوسف باشا الى سياسة التفرقة وإشعال نيران الفتنة بين القبائل لبسط سلطته بالقوة
وكانت الخطوة الأولى التي اتخذها يوسف باشا بعد وصوله الى سدة الحكم سنة 1795 هو كسب ود قبيلة الجوازي من اجل حشد القبائل العربية في برقة تحت قيادته ومهاجمة قبائل التبو في الجنوب لتكون طرق التجارة من مرزق في الجنوب الغربي الى تازر في الجنوب الشرقي في يده وتحت تصرفه
وفعلآ تم حشد ما يربو عن ألف مقاتل من قبائل عدة في الشرق وأهمها قبيلة الجوازي وبعض القبائل المصرية يتقدمها فصائل من جنود الانكشارية المسلحين ببنادق طويلة المحشوة بالبارود و الذين ارسلهم يوسف باشا من طربلس الغرب
وتم الهجوم على واحة تازر التي تم تسميتها فيما بعد بإسم عربي جديد وهي "الكفرة" وواحة تازربو
ارتكبت القوات المتحالفة مجازر في حق قبائل التبو تندى له جبين الإنسانية تم قتل وذبح كل رجل قادر على حمل السلاح وتم التهجير القسري ونهب كل شيئ تغيرت الديمغرافيا في ليلة وضحاها استوطنت القبائل العربية الغازية في تازربو وتازر وملحقاتهما حيث المياه العذبة و الأراضي الخصبة واشجار النخيل وتم ما أراده يوسف باشا
ولكن طموح يوسف باشا لم يتوقف الى هذا الحد فهناك عثرة اخرى لبسط نفوذه وهي قبيلة الجوازي التي كانت بالأمس القريب حليفته
ارسل يوسف باشا إبنه أحمد باي ليقوم بتوزيع البرانيس الحمراء لأعيان قبيلة الجوازي في مؤدوبة عشاء يقيمه في قصر "الباشا" الكائن في مدينة بنغازي
وفعلآ حضرت وفود اعيان قبيلة الجوازي حيث بلغ عددهم الخمسة والاربعون شيخ من كافة بيوت قبيلة الجوازي
وما إن حضر الجميع حتى حضر أحمد باي ابن يوسف باشا ووقف امام الحضور وتم تقديم اللحم والشراب الى الحضور الذي انهمك في الأكل والشرب
فأمر أحمد باي خصيانه وجنود أبيه الانكشارية فقامو بذبح جميع اعيان الجوازي وشيوخهم البالغ عددهم 45شيخآ فأوقعو فيهم طعنآ وذبحآ وخرجو وقتلو كل من حمل لقب الجازوي في برقة حيث ارتكبت أكبر مجزرة في تاريخ ليبيا
اغلب قبائل برقة وقفت الى جانب يوسف باشا ضد أولاد عمومتهم الجوازي تم مطاردة الجوازي في كل انحاء برقة وذبحهم ذبح النعاج ومن بقي منهم على قيد الحياة هاجر الى صعيد مصر أو غير لقبه الجازوي لينجو من بطش الباشا والقبائل الموالية له بقي ثلة قليلة من الجوازي من الضعفاء الأسر والنساء الارامل والامهات الثكلى والأطفال اليتامى فامر يوسف باشا جنوده بضرب الحصار عليهم وتجويعهم
فيما عرف بحصار "سيدي خريبيش"
حتى أكلو جلود الحيوانات والجيف والفئران ومات اغلبهم جوعآ
وهكذا "شربت الجوازي من نفس الكأس الذي سقتها للتبو"
انتهت اسطورة اكبر قبيلتين كانتا تقفان حجر عثرة أمام طموح يوسف القرمنلي واصبحت كامل برقة من بنغازي الى تازر التي تم تغير إسمها الى الكفرة تحت سيطرته
واصبحت طرق تجارة الرقيق من الجنوب الى الشرق تحت تصرفه تدر عليه بالمال الوفير لسد نفقاته ونفقات جنوده
وكانت الضربة التي قصمت ظهره هي ثورة "عبدالجليل سيف النصر" وتوقف تجارة الرقيق حيث قامت المملكة المتحدة "بريطانيا" والولايات المتحدة الامريكية بحظر تجارة الرقيق فأدى ذالك الى زيادة الضرائب على القبائل التي ضاقت زرعآ به
فقام عبدالجليل سيف النصر الذي كان يتزعم قبيلة أولاد سليمان وحلفائه من قبائل القذاذفة والمحاميد وغيرهم بثورة كانت هي الأكبر في تاريخ الاسرة الحاكمة في طرابلس نجح يوسف باشا في صد عدوه عبدالجليل سيف النصر قبل ان يصل الى طرابلس ولكن تداعيات الثورة وآثارها كانت قد تعدت الولاية طرابلس الغرب فقد أرغمته الدولة العتمانية على التنازل لصالح ابنه "علي الثاني" وفعلآ تنحى يوسف لصالح ابنه سنة 1832 قبل ان تتدخل الدولة العتمانية بشكل مباشر وتبسط سلطتها الفعلية على ليبيا بعدما كانت سلطتها إسمية فقط.
