•بوركينا فاسو **الكابتن تراوري يواصل تصفية الاستعمار اتخذت السلطات قرارًا بإيقاف توزيع صحيفة "لوموند" الفرنسية في البلاد اعتبارًا من السبت 2 ديسمبر. • لتعلم خطورة الصحف الفرنسية بأفريقيا:، أود إعطاؤكم نبذة بسيطة عن دورها خلال فترة الإبادة الجماعية في رواندا خلال النزاع الرواندي الذي أفضى إلى مذابح جماعية في البلاد 1994، كان المثقفون من وسائل الإعلام المحلية يبثون تقارير لتهدئة الأوضاع، في حين تنشر فرنسا دعايتها من خلال محطتها الإذاعية (RFI) - المعروفة بإذاعة فرنسا الدولية - مما أدى إلى تلقي السكان لمعلومات متناقضة وأسفر عن ذلك صراعات عنيفة بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، وقُتل حوالي مليون شخص من القبيلتين، حتى أولئك المعتدلين تحولوا إلى متطرفين. وذلك بسبب أنّ معظم المستعمرات الفرنسية تتحدث الفرنسية وتحصل على المعلومات الأولية ليس من الصحف المحلية ولكن من RFI، التي تتميز بكبر حجمها كمؤسسة، وتمتلك ميزانيات وصحفيين لا يقدر عليها الإعلام الأفريقي المحلي البسيط. وبالتالي، يشكل الإعلام الفرنسي الآراء حتى في الشأن الداخلي لهذه الدول. المثير للدهشة، أنّه في مطلع 2023، أجرى بعض الناشطين الأفارقة استطلاع رأي في شوارع باريس وكبرى المدن الفرنسية، يسألون السكان عن معلوماتهم عن إذاعة RFI وقناة فرنس24. كانت النتائج صادمة، حيث لم يكن 99٪ من الفرنسيين على دراية بوجود هاتين القناتين، مؤكدين أنهم لم يحصلوا على أي معلومات منها. إذ يفضل الفرنسيون الحصول على معلوماتهم من قنوات مثل (TF1، France2، France3، Canal +، M6، France4، BMF TV، و LCI) بين آخرين، لأن الاعتقاد السائد منذ بدايات الإذاعة والتلفزيون هو أن RFI و France24 مخصصتان للمستعمرات وليست للاستخدام المحلي الفرنسي، وهو ما يعكس مقولة الزعيم الصيني السابق، ماو تسي تونغ: "أقوى سلاح في يد المحتل هو عقل المحتلين" لهذا السبب، في الدول الآسيوية مثل الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، والدول الناطقة بالإسبانية مثل كوبا، فنزويلا وكذلك روسيا وبعض الدول الشرق أوروبية مثل هنغاريا وبولندا، قررت الحكومات تنظيم ومراقبة الإعلام الأجنبي بشكل صارم لمنع تأثيره على الرأي العام الداخلي. يقتصر الأمر على عدد قليل من القنوات الأجنبية المسموح بها، ويجب أن تكون هذه القنوات خاضعة للرقابة المحلية. لأنّهم فطنو أن القنوات الأجنبية "عملاء إضافيين" للمخابرات الغربية. في حين أن المُفارقة التي تثير السخرية والازدراء معاً، نجد أن كل فرد مثقف من أفريقيا الناطقة بالفرنسية يعتبر المحتوى الإخباري الصادر من قناة فرنسا24 أو الإذاعة الفرنسية (RFI) كمرجعية أساسية للمعلومة الصحيحة، ويتعامل باستخفاف مع الأفريقي الآخر الذي لا يعرف هذه المعلومات أو لا يمكنه الحصول عليها من قناة France 24. يلزمني أن ألقي الضوء على أن هذا الكيان الإخباري الذي ينقل أخباره من خلال موجات (RFI)، الإذاعة الدولية الفرنسية التي تُذاع عبر موجات التردد FM في العديد من البلدان الناطقة بالفرنسية، هي إمبراطورية. وقد أظهرت الإحصائيات الهامة وتقرير المؤسسة الأم (http://RFI.IT) أنه في عام 2022، حقق البث الإذاعي لـ RFI أرباحاً اقتصادية بمقدار 263 مليون يورو. ما يشير إلى صعوبة منافسة أي وسيلة إعلامية أفريقية لها، نظراً لمحدودية ميزانياتها. وهكذا، استطاعت فرنسا أن تسيطر بشكل فريد على تشكيل الرأي العام في البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية. ولا تكتفي فرنسا بميزة التفوق الاقتصادي فحسب على المنافسين المحليين، بل تمتلك أيضاً أداة أكثر خطورة؛ وهي اللغة الفرنسية، لغتها الأم والرسمية في كل مستعمراتها السابقة. وبذلك، نجحت فرنسا في توجيه الرأي العام الأفريقي لعقود. هذا ما يفسر أن الرئيس بول كاغامي، بعد توليه السلطة إثر الإبادة برواندا، عمل على إلغاء الفرنسية كلغة رسمية، مستبدلاً إياها بلغة "إيكينيارواندا" (Ikinyarwanda) الأصلية، والسواحيلية كثانية، واعتمد الإنجليزية كلغة للتعليم والإدارة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الروانديون يحصلون على أخبارهم أولاً من القنوات المحلية، ثم من الوسائل الإعلامية الدولية لاحقًا. لأنّه وعى القدرة الكبيرة للإعلام على تشكيل تصورات الناس ومعتقداتهم، ففي عصر المعلومات، من يسيطر على تدفق المعلومات يمكن أن يغير واقع الأمم. وفهم كيف يمكن للإعلام الأجنبي أن يؤثر على الرأي العام في دولة أخرى، وقدرته على تشويه الحقائق في سياق التلاعب الإعلامي. ما يثبت صحة ما ذهب إليه المناضل مالكولم إكس حين قال: “الإعلام لا يعكس الواقع، بل يشكله.” الكاتبن تراوري من بوركينا قام بخطوة إيجابية نحو تصفية الاستعماري الفرنسي، ورجاؤنا أن تلحقها بالنزوح التدريجي إلى اللغات المحلية مستغنيةً عن الفرنسية. ماذا عن بقية الدول؟ متى الوعي الأفريقي! ——
إدريس آيات- جامعة الكويت