الباندات

الباندات

..مقال منقول جدير بالقراة....

أعرف لن توافقوني ، وحتى قد تستفزكم هذه المقاربة التاريخية لكن هذه الحقيقة التي اراها أنا على امتداد مائة سنة فاتت ، ولا ارى غيرها ، فما يحدث في طرابلس اليوم هو امتداد لصراع الباندات على طرابلس قبل 100 سنة . الاختلاف طفيف ، في المواعيد والأماكن والأسماء لكن الفكرة واحدة .

قراءة التاريخ بشكل موضوعي قد تُزعج لكنها بالنهاية تنتج معرفة حقيقة للواقع وتُنتج أيضاً فكرة وقيادات ونخب همها الوطن ، والعكس صحيح . في برقة - مثلاً - تتفق معها أو تختلف ، توجد دائماً فكرة يتم الالتفاف حولها لكن في غرب ليبيا يوجد زعامات تتطاحن وتتناحر على الغنيمة . لا شيء أسوأ من المغالاطات التاريخية على الأمم ..

قل ما تشاء

ولكن عليك ان تعلم أنه قبل مائة عام وبعد معركة القرضابية بـ 1915 ذهب شرق ليبيا إلى شرقه فولدت هناك أمارة اسمها امارة برقة في غضون عام أو اثنين لكن في غربها ظلوا يتصارعون على غنيمة القرضابية التي وقعت في سرت - يتصارعون عليها في طرابلس سبع سنوات إلى أن قطعوا رؤوس بعضهم وعادت إيطاليا ، ثم في 1943 بعد هزيمة ايطاليا في الحرب الثانية دخل جيش برقة من الحدود المصرية بقيادة الأمير ادريس السنوسي وطرد المستوطنين الإيطاليين وأقام إمارة برقة في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام واستلقت برقة في 49 ، في حين ظل غرب ليبيا حائراً يتخبط إلى أن نزل به ادريس السنوسي كملك ، ثم في 1969 بدا واضحاً أن حركة الضباط الصغار كانت تعي ضرورة ضبط غرب ليبيا (الضائع بلا فكرة) فاقتحم الرائد عبد السلام جلود معسكر باب العزيزية ووضع يده على طرابلس وحسم الأمر (قد يقول قائل منكم أن العالم أشار عليهم بحسم الصراع مبكراً في غرب ليبيا) فليكن ، المهم أن المشكلة دائماً في غرب ليبيا ، ثم ايضاً وبعد اربعة ايام من تاريخ 17\2\2011 كان الأمر محسوم في برقة التي انحازت فيها مؤسسة الجيش والشرطة إلى الوطن وقالت للحاكم لا ، وظهر هذا الإقليم يومها بمظهر وطني ليس أقل وطنية من تونس ومصر اللتين سبقتاه بأيام وأسابيع ، في حين تكرر المشهد في غرب ليبيا من جديد ، وظل هذا الغرب الليبي هو الوقود الذي أطال أمد الصراع لأشهر حتى تدمر الجيش والمؤسسات وأجهزة الدولة وتهتك النسيج الاجتماعي لتعود الباندات إلى طرابلس كما لو أننا نعود لمائة عام إلى الوراء ! فالباندا في تقديري ليس دائماً نتاجاً إيطالياً بل هي تجنيد طارئ وسريع لأهداف قريبة – حتى الحرس الرئاسي والحرس الثوري والحرس الشعبي وأي حرس مشابه هو في تقديري باندا ولكن بأسماء متعددة وبمستويات متفاوتة من الانضباط ، والقراءة المغلوطة للتاريخ لا تنتج سوى المغالطات والباندات ولا تكرر سوى الأزمات . وعلى أية حال ، وحتى لا أخرج عن الموضوع فما أود قوله أنه ثمة مشكلة تاريخية وعميقة في الغرب الليبي على أساتذة التاريخ وأساتذة الاجتماع إعادة قراءة المشهد التاريخي والاجتماعي في هذا المكان المأزوم ، إذ لا أحد أعاق بناء الدولة اليوم وأمس وأول أمس سوى غرب ليبيا المتواجد في طرابلس !!

بالنسبة لجنوب ليبيا شيء آخر وقد يحتاج إلى كتابة اخرى . فهو منذ أن جهّز له حاكم طرابلس حملة عسكرية قوية وأرسلها تحت قيادة شخص أسمه "المكني" للقضاء على دولة أولاد امحمد هناك ، أظنها بـ 1812 ، لم ير هذا الإقليم استقراراً ولم يجد ذاته في كل الدول المتعاقبة عليه ، إذا استثنينا فترة المملكة القصيرة التي بدا فيها فزان كما لو انه يتلمس شيئاً يُشبه الذات ، ليبقى هذا الإقليم وإلى اليوم كقشة في مهب الريح ..

أنا هنا لا أتحامل على غرب ليبيا الذي أحسبه أقرب لي من شرقها لكنني أحاول قراءة الأحداث والإسقاطات التاريخية بشكل موضوعي بعيداً عن أي تحيّز لعلنا نؤسس لولادة ليبيا التي طالت وتعسرت ولادتها منذ 100 سنة ، وقد أكون مخطئاً .