ايران بين خيارين: التطبيع او التركيع! ...
مقال منقول...
تسعى الادارة الامريكية حثيثا لتضييق الخناق على دولة ايران الاسلامية في موقف معلن من الرئيس ترامب بمعاقبة ايران! ويبرز التساؤل هنا لماذا ومن أجل من تعاقب ايران؟! لنجد الاجابة واضحة ومفادها لأن ايران دولة مارقة من وجهة النظر الامريكية عن ما يجب ان تسير عليه دول منطقة الشرق الاوسط كافة، المحيطة بدولة اسرائيل، بما تشكله من تهديد ضمني وصريح للكيان الاسرائيلي من خلال مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية وكل من يناصر الفلسطينيين ولهذا وجب عقابها بمفهوم الامن المركزي الامريكي الذي يرتبط عضويا بأمن الكيان الاسرائيلي منذ تاسيسه 1948م.
لقد اعتمدت استراتيجية الغرب بقيادة امريكا لتوفير الأمن للكيان الاسرائيلي على سياسة الترغيب والترهيب معا ودفعت في سبيل ذلك باساليب عدة منها السلمية ومنها العسكرية، فالسلمية مثلا عن طريق عقد المعاهدات واتفاقيات الاعتراف المتبادل بين الدول واسرائيل ضمن نطاقها الجغرافي والاقليمي وما يترتب عن ذلك من تطبيع حقيقي يفضي الى نشوء حالة مضمونة من السلم والامن مثل ماحدث مع مصر منذ 1977م، وفي حال عدم الامتثال للمطالب السلمية فان الادارة الامريكية درجت الى الانتقال الى اسلوب الترهيب من خلال فرض الحصارات المختلفة على الدول كما حدث مع ليبيا والعراق.
ولكن الادارة الامريكية عندما تدرك ان كل تلك الاساليب لا تجدي نفعا فانها تلجأ الى استخدام اسلوب القوة العسكرية مثل ما حدث مع العراق، وهي عادة ما تنتهج ذلك السيناريو بعد ان تحاول اقناع اطراف مؤثرة في الغرب الاوروبي بذلك ليشاركوها ولا يعارضوها حين اتخاذ اي إجراء عسكري كما أنها تحاول دائما تهيئة الراي العام العالمي لذلك من خلال ضخ اعلامي مخطط له ومعد اعدادا دقيقا بما يمهد الارضية المناسبة لتمرير قرارات بصبغة دولية عبر مجلس الأمن كما جرت العادة.
ان مسعى تفكيك كل الجيوش الواقعة في النطاق الجغرافي للامن القومي الاسرائيليK كان ولا يزال خيارا استراتيجيا لامريكا واسرائيل في سياستهما الخارجية، ولذلك كان متوقعا بعد تحييد اقوى جيش عربي متاخم لدولة اسرائيل، وهو الجيش المصري من خلال معاهدة كامب ديفيد، التي تحقق فيها ضمان عدم دخول الجيش المصري في أي معركة هجومية مع جارتها اسرائيل، كان متوقعا ان تسعى امريكا بضغط اسرائيلي لتفكيك كل الجيوش التي من المكن ان تشكل خطرا على أمن اسرائيل، وهو ما حدث فعلا في العراق بالتدخل العسكري المباشر، ثم مع سوريا وليبيا واليمن من خلال ما سمي بثورات الربيع العربي التي كانت نتائجها تفكيك جيوش هذه الدول وانهاكها بدرجة يستحيل عودتها كقوة هجومية ولن يسمح لها مستقبلا الا ان تكون في مستوى القوة الدفاعية بمواصفات امريكية ترضاها اسرائيل!!
وفي هذا السياق يمكن القول ان قرار تفكيك الجيش الايراني قد اتخذ، وان المسالة مسالة وقت فقط، وسيكون ذلك في مرحلة لاحقة لحصار اقتصادي شديد لايران يبدأ قريبا، بمنع بيع نفطها ما سيؤدي الى حالة من الضنك وسوء العيش للشعب الايراني، بتوازي مع دعم كبير وهو ما بدأ فعلا لما يسمى بالمعارضة الايرانية في الخارج، والتي بدأت تعقد لها المؤتمرات في دول الغرب وأمريكا منذ فترة! وهذا يذكرنا بتكرار السيناريو العراقي فيما يتعلق بايران، فمن حصار اقتصادي شديد، الى تدخل عسكري امريكي غربي يسقط حكم الإمام في ايران، وينهي المؤسسة العسكرية التي ستهزم ماديا ومعنويا ، لتدخل ايران من بعد في فوضى لا قرار لها أسوة بدول المنطقة التي سبقتها.
للأسف يبدو ان الحكام لا يتعضون ولا يعتبرون لدروس التاريخ!، فها هو الرئيس الايراني "روحاني" يتحدى أمريكا وينبهها الى عدم اللعب بذيل ألأسد!! ويصرح بأنه سيواجهها في معركة سماها "أم الحروب" كما سماها قبله صدام "أم المعارك" ، والحقيقة الصادمة إن مثل هذه التصريحات هي مجرد فقاعات اعلامية متلاشية، لأنه كما هزم العراق في ام المعارك ستهزم ايران في ام الحروب!، وسيكون الشعب الايراني هو المتضرر الوحيد لأنه سيعاني الأمرين بعد ذلك نتيجة الفوضى، كما لا يزال جارهم العراق يعانيها حتى الآن بعد مرور اكثر من ربع قرن على حرب الكويت و15 سنة على اسقاط صدام!
لو هناك من يستمع للنصح لنصحت الايرانيين بأن يسارعوا للتطبيع مع اسرائيل ليحفظوا بلدهم وشعبهم ويتجنبون حربا خاسرة لا قدرة لهم على خوض غمارها، فالتطبيع "للأسف" اضحى الخيار الوحيد المتاح أمام الايرانيين الآن!، لأن بديله هو الحرب والتركيع، وضياع كل هيبة الدولة وانكسار جيشها وما يترتب عن ذلك من فوضى تجعل الشعب الايراني يعاني الأمرين وفي زمن ربما يطول لا يعلمه الا الله، فهل يستفيق ساسة ايران من اوهامهم وينقذون يلدهم وشعبهم أم أن على قلوب أقفالها!؟