بقلم— أبن تجرهي =====
تجرهي –"او تزروا"-- بلهجة اهل التبو —لم تكن مجرد قرية صغيرة مغمورة فى عمق الصحراء الكبرى , بل كانت قبلة تشد اليها الرحال لمن أراد أن يكابد قسوة وشدة الصحراء الكبرى شمالا أو جنوبا — قلعتها الشامخة تحمل قصص وأخبار الأولين والآخرين فى كل حجر احجار أركانها الأربعة — ونخلها الباسقات في كل من " بوقتوا , وهاسا , هوباباه "---طلعها نضيد تشد الناظرين إليها من كل حدب وصوب –وتطرب زوارها ومن بالجوار سنفونية طبيعية من موسيقى الرياح عندما تداعب أوراق سعفها في هدوء—
جبلها الشامخ "أراسا" يقف باحجاره الممتدة شرقا كحارس عنيد يحمي من بعيد الوادي بنخله وطلحه وسكانه –ويتحدى الزمن والانسان على حد سوا—
أما السيوف الذهبية من الرمال جهة المغيب , فلا يغيب شمس اليوم عنها إلا وقد حملت حبات رمالها دفء و قبس من نسيم المساء العليل تنثره على نخيلها في كل من " كودرا , وصموقل , ودلي "---وتلقي على سكانها في الوادي السلام والطمأنينة والأمل ...
إنها قرية مباركة , يرقد تحت ثراها , رفات الصالحين من اولياء الله—
الحديث عن قلعة -تجرهي الأثرية –حديث ذو شجون, وغبطه , ولكنه أيضا حديث ممزوج بالحزن والالم , لأن قلعة-تجرهي الاثرية ليست مجرد بناء قديم اعتراه الدمار والنسيان , بل هو تاريخ نراه يضيع وسط ثقافتنا وتاريخنا دون اعتناء واهتمام , ومعلم مهم يطالها الإهمال من قبل حكومات الدولة الليبية مند أنشأ دولة ليبيا الحديثة, —لقد كان كتابة تاريخ ليبيا انتقائيا –والاهتمام بالتاريخ كان سياسيا أكثر منه وطنيا -لذلك انصب الاهتمام والرعاية والدعم على بعضا من التاريخ و الآثار وتم إهمال الآخر؟
ولكن—
رغم الكم الهائل من الإهمال والنسيان لازالت قلعة-تجرهي الاثرية تتحدى الزمن والتهميش والنسيان وتبرز شامخة مع اشعة شمس كل صباح –وتقول –" نحن هنا ""؟
ليس هناك ذاكرة مكتوبة ودقيقة تقول لنا من بنى هذه القلعة ومن أشرف على إنشائها –هل هو الاستعمار التركي او الايطالي –ام سطوة وجبروت دولة أولاد امحمد الفاسي,---؟– لكن من المؤكد ان هذه القلعة بنيت كليا او جزئيا على اكتاف اهالي تجرهي القدماء,بدمائهم وعرقهم وجهدهم لتصبح لاحقا مقرا للحاكم العسكري المستعمر للقرية –؟ لا زالت بقايا قلعة-تجرهي شاهدة على عصور غابرة من الزمن , كان فيها الصراع على أشده بين دول الاستعمار وهي إيطاليا التي كانت تستعمر ليبيا وبين فرنسا التي استعمرت تشاد و جاءت بحملتها العسكرية من تشاد لاحتلال فزان في ظل تصفية حسابات الربح والخسارة بين دول الحلفاء ودول المحور إبان الحرب العالمية الثانية ..حيث كانت تجرهى أول منطقة في ليبيا تشهد هذه الحرب عندما تم استهداف قلعتها بالمدافع عندما كانت القلعة حامية للقوات الايطالية وكانت مقرا للحاكم الايطالى للقرية ..
عندما تتكلم عن التاريخ والآثار, لابد أن يحضرك الدليل والبرهان , وإلا فالحديث عنه يصبح كالسراب يحسبه الضمآن ماء __ ودليلنا على تاريخ قلعة تجرهي وآثارها هو القلعة نفسها بالاضافة مقبرة الجنود الإيطاليين الذين قضوا في هذا الصراع –توجد المقبرة فى جنوب القرية ليست بعيدة عن القلعة وقد ذكر لنا مشايخنا قديما بأنه فى الماضى القريب كان بعض الايطاليين يأتون لزيارة هذه المقابر وهم مزودون بخرائط عن هذه المقابر ؟
لازال شيوخنا وعجائزنا من بقى منهم على قيد الحياة ويتمتع بذاكرة سليمة يسردون لنا قصة هذه الحرب والتى كانت لا ناقة لهم فيها ولا جمل بل كانوا هم أحد ضحاياها حيث دمرت ممتلكاتهم ونهب أرزاقهم ..
لقد عشنا طفولتنا ونحن نزور هذه القلعة والبلدة القديمة–والتي تسمى بلغتنا التباوية ((نما توقي ))-- في تجرهى والتي تقع مباشرة تحت الجانب الجنوبي من القلعة .وإلى زمن قريب كان أهالى تجرهى يجمعون الأسلاك الشائكة والتى لا زال البعض منها يسيج القلعة ..يجمعونها لتسييج حظائر حيواناتهم ومزارعهم
للأسف الشديد لم اجد اى تفاصيل عن هذه الحرب وعن منطقة تجرهى عن قلعتها الاثرية فى اى مصادر تاريخية موثقة في الدولة الليبية ..
انها جزء من تاريخ قرية تجرهى والتي لا زالت فى ذاكرة مشايخنا وهى فى حاجة الى توثيق وعلى المهتمين بالتراث والآثار بالمنطقة من جمعيات اهلية ومنظمات مدنية الاهتمام بجمعها وتوثيقها . وسبق وان تقدمت بمقترح إنشاء بيت التراث يجمع تراث وآثار القرية من صناعات تقليدية ومقتنيات تراثية للحفاظ على الذاكرة التاريخية للقرية .
يتبع الحلقة القادمة –تفاصيل أكثر عن البلدة القديمة –"نما توقي"--وأصول سكان تجرهي –وأضرحة الأولياء الصالحين– وأهم منتجات انواع التمور التي تشتهر بها قرية تجرهي؟