ازمة السودان ومفاوضات جنيف الى اين؟


مفاوضات جنيف، "فرملة سياسية" يدرك #السودان بأن هناك محاور إقليمية تشكلت في الساحة السودانية بعد 15 إبريل 2023 وهي قطعاً محاور متضادة في توجهاتها، إلا أن القوى الدولية الفاعلة في المشهد السوداني لن تتصادم بشكل فعلي مع تلك المحاور، ولكنها ستعمل على التنسيق معها وفقاً لما تراه تلك القوى متوافقاً مع رؤيتها المستقبلية، وبالتالي أرى أن تعمل #الخرطوم على إيجاد نقطة مشتركة مع القوى الدولية التي تدير تلك المحاور تحقيقاً لمصالحها مع كافة المحاور حتى تلك التي تختلف معها تجنباً من قوة إرتداد الموجه الشعبية والتي بلا شك ستعصف بالكثير إذا عادت وسيعود الجميع لمربع الصفر جاءت تصريحات المبعوث الأمريكي للسودان "توم بيرييلو" بشأن مفاوضات #جنيف المرتقبة لحلحلة الأزمة السودانية متوافقة مع المزاج الشعبي السوداني الذي ما زال منتشياً بنجاح #الجيش_السوداني في السيطرة على محور جنوب غرب #أمدرمان أكبر معاقل مليشيا #الدعم_السريع ، ولاقت تلك التصريحات ترحيباً واسعاً لدى المكون الإفريقي و #العربي أرى أن تصريحات "بيرييلو" بمثابة فرملة سياسية بكل المقاييس أدركت ضرورتها #واشنطن بعد توالي حصاد رؤوس القيادات العليا للمليشيا، وتكبيدها خسائر متواصلة بدءاً من دحرها في منطقة "قُلي"، وهذا ما يفسر إطلاق واشنطن على لسان مبعوثها تصريحها الأبرز "السودانيون لا يرغبون بأي دور سياسي للدعم السريع في المستقبل ونحن ندعم ذلك"، ليأتي بعده بدقائق إستعداد الخارجية الأمريكية للقاء القيادات العسكرية السودانية للتشاور في دلالة على جدية الإدارة الأمريكية لحلحلة الأزمة وضمان سيرها وفقاً لما يراد لها أن تصل إليه. رغم نجاح المؤسسة العسكرية السودانية في تغذية وتيرة الإجماع والدعم الشعبي لصالحها بصمودها في مواجهة مليشيا الدعم السريع إلا أنها باتت تنظر لكينونة الدولة السودانية بأنها واقعة بين إتجاهين: الأول: يرى أن إستكمال تحقيق نجاح الثورة يتطلب مساندة دولية وإقليمية قوية، ولكن تلك المساندة سترافقها تنازلات حقيقية يدركها المواطن السوداني جيداً، فالسودان دولة مُنهكة إقتصادياً وسياسياً، وبالتالي يرى هذا الإتجاه أن الشارع السوداني لن يقف حجر عثرة أمام إنفراجة بدأت تلوح في الأفق وبضمان "أمريكي" الثاني: إتجاه واعي لنتائج التدخلات الإقليمية والدولية ولن يسمح بإنحراف مسار ثورته التي قام من أجلها، وهذا ما يجب أن تدركه قيادات المؤسسة العسكرية السودانية، وهذا الإتجاه لا يرى فيما يحدث اليوم إنتصاراً لثورة وطنية بمقدار ما هي فرصة لإعادة إنتاج ذات النظام الذي لم يسقط بسقوط رأسه مفاوضات جنيف يجب أن تتمحور أجندتها: لا عودة لما قبل 15 أبريل 2023، والتوافق الكامل على إنهاء مليشيا الدعم السريع ونزع سلاحها، بعد إدراك #العالم أجمع بأن لا مستقبل لسودان جديد مستقر بوجود تلك المليشيا، خاصة أن طرح فكرة إدماج الدعم السريع في صفوف #القوات_المسلحة_السودانية لم تعد مقبولة شعبياً، فستبقى مليشيات "ليست وطنية"، وبالتالي هي قادرة على الإنشقاق وإعادة ترتيب صفوفها وفرض واقع جديد متى ما تسنى لها ذلك، وعملية إقصاءها عن المشهد السياسي ليست مستحيلة إلا أن الظروف المحيطة اليوم بالدولة السودانية وتنامي عمليات الإمداد العسكري للمليشيات تجعل الإقصاء صعباً، ويبقى ذلك هو التحدي الأكبر الذي سيواجهه "بيريليو" في تنفيذ أولوية الإدارة الأمريكية في وقف الدعم العسكري للمليشيات تمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومعالجة كافة شواغل الحكومة السودانية قبل البدء في أي مفاوضات تقديم كشف أمني مفصل للعناصر الأمنية والعسكرية "السودانية والغير سودانية" التي شاركت المليشيا في عملياتها الإرهابية هناك حقائق يدركها الشارع السوداني، فبعد تجاذبات سياسية كان للدور الدولي فيها الأثر الأكبر تبدو ولادة حكومة مدنية على المدى القريب للمتوسط صعبة في بلد كالسودان يحتاج لإصلاحات جذرية لا يقودها نظام المحاصصة يؤمن بالولاء قبل الكفاءة، وعشر سنوات لهكذا مهمة لن تغير الكثير مما ينتظره الشعب السوداني، وفي حال وصول حكومة مدنية منتخبة فهي قطعاً لن تقبل بسياسة الإنحياز لطرف دون أخر، فالسودان كدولة لها تجاربها التي علمتها بأن التضحية بطرف لأجل أخر هو الطريق الذي أفقد السودان مكانته التي كان عليها، فبتالي لا يصح للسودان الجديد أن لايتعلم من أخطاءه، ولو لم تكن التجارب القديمة تجدي نفعاً فستجد الحكومة المستقبلية أمامها شعباً يذكرها إن سهت ويطيح بها إن تحدته كما أطاح بثلاثة عقود عاشها السودان في دائرة اللامبالاة.