-------------------------
من يقرأ تاريخ السودان الحديث سيدرك أن الاستقلال كان نقمه وليس نعمة
منذ أن حصلوا علي الاستقلال وحتي اليوم وهم في حروب أهلية
لم يعيش السودان عامًا واحدًا في سلام أو هدنة مع النفس
فطيلة ستون عامًا فشلت هذه الدولة في هضم مئات الأجناس والأعراق
فالسودان ذات الـ47 مليون نسمة فيها 597 الأغلبية فيه لجنس من الخارج
هناك 46% عرب و7% حبش و6% تشاديين و12% زنو*ج مختلفين
هناك الفور والدينكا والفلاتا والهوسا والمساليت والبجا وغيرهم
وللاسف فشلت معدة السودان في هضم التنوع العرقي في سيادة وطنية واحدة
والحقيقة لم يكن ذنبها فالسودان لم يكن دولة واحدة علي الإطلاق
ففي عام 1916 ضم محمد علي سلطنه دارفور
وفي عام 1822 ضم الممالك النيليه الصغيره والجنوبيين
السودان لم يتعلم طيلة 200 عام كيفية دمج الجميع في دولة واحدة
وبمجرد الاستقلال بدأ في قتال بعضه البعض
------------------------------
وحتي نفهم طبيعة الصراع الأخير علينا ان نعود إلي الوراء 20 سنة
ويجب أولا أن نعرف من هو "حميدتي" أو محمد حمدان دقلو
شخص من أبناء قبيلة الزريقات في ولاية دارفور حتي شرق التشاد
والرزيقات قبيلة عربية وفرع من فروع البقارة من جهينة
وهي من أكبر القبائل العربية المنتشرة في السودان
هذه القبيلة اختلطت ببعض القبائل الافريقية مثل البرتي والداجو والزغاوة
في عام 2003 استغلت دارفور الحرب بين الشمال والجنوب
وحاولت الإنفصال عن السودان واستعادة السلطنة
كانت مجرد اشتبكات خاصة وأن أكثرهم فلاحين ليس لديهم دراية بالحرب
من هنا بدأت الخطوة الاولي لتدشين مليشيات لحمايتهم
وهو ما حول المعركة إلي حرب عصابات وشوارع
وبالطبع فشلت الحكومة السودانية في التعامل مع هذ النوع من الحروب
فاضطرت لتكوين جيش شعبي من القبائل العربية وأطلقت علية "جنجويد"
وتولي الشيخ "موسى هلال" زعيم قبيلة المحاميد قائدًا للجنجويد
وكان حميدتي هو القائد العسكري للجيش الشعب "الجنجويد"
وكان حميدتي قبل ذلك راعيًا للغنم ثم أصبح تاجرًا ابل بين ليبيا ومالي وتشاد
وكان قد اسس من القبائل العربية الموالية له جيشًا كبير ليحمي تجارته
ما مكنه من وضع يده على مناجم الذهب في دارفور و تشاد
فاضطر عمر البشير أن يتقرب منه بل ويمنحه امتيازات عسكرية
فحصل علي رتبة "فريق اول" رغم أنه ليس له علاقة بالعسكرية
فقد كان البشير يعتمد علية لحمياته شخصيًا من أي شيء
وعندما بدأت أزمة دارفور أنضم وجنودة لميليشيا الجنجويد
هذه الميليشيا قامت بارتكاب جرائم حرب وبمذابح بشعة
كان عبد الفتاح البرهان فذ ذلك الوقت مسئول عن الاستخبارات العسكرية
وكان مسئولا عن هجمات الجيش ومليشيات الجنجويد على دارفور
من هنا جاءت علاقة البرهان وحميدتي من خلال أزمة دارفور
وبمجرد اتهام ميليشيات موسي هلال بهذه الجرائم
انشق حميدتي عنه وانضم الكثير من الجنجويد إلي قواته
من هنا كبر جيش حميدتي وأصبح يمتلك آليات عسكرية
معني ذلك أن الجنجويد انقسموا إلي جيشان أو مليشيتان
أحدهم بقيادة موسي هلال وأطلق علية حرس الحدود
والثاني بقيادة حميدتي وأطلق علية الدعم السريع
وبالطبع بدأوا في الصراع فيما بينهم حتي تم اعتقال موسي هلال
وفي سنة 2013 قررت الحكومة السودانية هيكلة ميليشيا التدخل السريع
وأصبحت هذه المليشيا جزء من الجيش السوداني بقيادة حميدتي
------------------------------
في ابريل ٢٠١٩ تطورت الثورة السودانية بشكل كبيرة
ورفض حميدتي مساعدة البشير وفض المظاهرات بالقوة
لذا تم عزل البشير وتم تعيين مجلس عسكري انتقالي
بقيادة النائب الأول للرئيس ووزير الدفاع الفريق أحمد عوض بن عوف
تولي المنصب يوم واحد وقام بتمرير الحكم لـ"عبد الفتاح البرهان"
والذي كان يشغل منصب قائد القوات البرية السودانية في ذلك الوقت
وفي 25 أكتوبر قام البرهان بعزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك
لم يكن هناك سوي حميدتي ليعود إلي الظهور من جديد
كان يمتلك الكثير الشركات التجارية المعنية بالتنقيب عن الذهب
ويمتلك جيش من ميليشيا قبائل عربية وبعض ميليشيا الجنجويد
كان يحلم بالسلطة والسيطرة علي مقاليد الأمور
فاجتمع البرهان وحميدتي وتم الاتفاق علي كل شيء
وتم تعيين حميدتي ليصبح نائب قيادة المجلس العسكري الانتقالي
وأول القرارات التي اتفقوا عليها ضرب القوي المدنية وتعطيل كل شيء
وفي سنة 2021 غير حميدتي رأيه وقال أنها قرارات نظام البشير
والبرهان قال أن قراراته هدفها زيادة مشاركة القوى السياسية
وفي ديسمبر 2022 تم التوقيع علي الاتفاق الإطاري
والذي ينص علي تسليم السلطة للمدنيين خلال سنتين
كما ينص علي دمج ميليشيا الدعم السريع مع الجيش السوداني
بالاضافة إلي سن قانون لايقاف التجنيد للدعم السريع
وهو ما يعني أنه سيصبح جزء من الجيش وشركاته تؤول للدولة
ومع شخص يحلم بالسلطة مثل حميدتي بالتأكيد سيرفض هذا النص
لان هذا البند سيجعل من البرهان مسيطرًا علي الدعم السريع
وبالتالي سيقل نفوذ حميدتي ويزداد ضعفًا
كما انه كان يخشي أن يتم التضحية به خاصة وأنه مطلوب دوليًا
لذا طالب بضرورة ان يتم التسليم خلال 10 سنوات وليس سنتين
كما طالب أن يدخل ضباطه بنفس الرتب العسكرية والأجور
كما رفض بند وقف عملية التجنيد في ميليشيات الدعم السريع
ما جعل البرهان يتهم حميدتي بتجنيد جنود جديدة للدعم السريع
وذلك بدون علم الجيش السوداني وقياداته
وهو ما رفضة حميدتي وأعلن أنه يقوم بالتجنيد بشكل قانوني
وكما هو متوقع اشتعل الصراع بين الطرفين وبدأت الاشتباكات
------------------------------
الكارثة في السودان أنها تعاني من كيان اللا دولة
مفيش جيش وطني حقيقي يعمل لصالح السودانيين باختلاف أعراقهم
كيف يكون هناك جيوش أو ميليشيات لها طابع جنسي وقبلي
كيف يكون الولاء للجنس والقبيلة ولا يكون للشعب والأرض والتاريخ
لا نهلم إلي متي ستنتهي الحرب الأهلية هذه المرة
فأحد الحروب في السودان استمر لـ17 عام كاملة
ولكن الأكيد أن الشعب السوداني هو الذي سيدفع الثمن