كشفت دراسة بحثية سعودية أن حليب الإبل له خصائص مميزة في تحسين سلوك أطفال التوحد الطيفي وتخفيف أعراض المرض لديهم، ما يجعلهم أقل عدوانية. واضطراب التوحد الطيفي هو اضطراب عصبي خطر يظهر خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل ويستمر مدى حياته، وأهم ما يظهر على المصاب بالتوحد حدوث مشاكل في كيفية الاتصال بمن حوله واضطرابات في اكتساب مهارات التعلم السلوكي والاجتماعي.
قالت الدكتورة ليلى يوسف العياضي مديرة المركز الجامعي لأبحاث وعلاج التوحد أستاذة فسيولوجيا المخ والأعصاب استشارية الفسيولوجيا العصبية التشخيصية بكلية الطب بجامعة الملك سعود إن الدراسة أكدت التحسن الملحوظ على سلوكات الأطفال المصابين بمرض التوحد الذين تناولوا الحليب، خاصة في التواصل الاجتماعي والتواصل البصري.
وبالمقابل، حذرت الدكتورة ليلى مرضى التوحد من تناول منتجات حليب البقر التي تحتوي على مادة «الكازين» غير الموجودة في حليب الإبل، موضحة أنها مادة بروتينية يصعب هضمها عند بعض المصابين باضطراب التوحد، وتسبب بشكل رئيسي حساسية للأغذية ومشاكل للجهاز الهضمي عند بعض المصابين بالتوحد، ما قد يؤدي إلى التهاب في خلايا الدماغ وجهاز المناعة، مضيفة أن حليب الإبل يحتوي على العديد من المكونات الغذائية المهمة مثل المعادن والفيتامينات المضادة للأكسدة.
وأعطت الدكتورة ليلى الأمل لآلاف الحالات المصابة بمرض التوحد للشفاء من هذا المرض، نظير الجهود الطبية الأخيرة في عزل نوع من الخلايا الجذعية من أنسجة مخ الإنسان، مؤكدة أن العلاج بالخلايا الجذعية الجنينية هو العلاج الأمثل والأكيد لعلاج العديد من الأمراض، حيث إن الخلايا الجذعية الجنينية لها قدرة فائقة على علاج الأمراض وتجديد الخلايا بشكل منقطع النظير لأنها مزودة بقدرة تشبه الرادار في تحديد الجزء التالف من الجسم بل وتقوم بإصلاحه.
وفي العقود الأخيرة ارتفع معدل انتشار التوحد بين الأطفال، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا يصاب واحد من كل 88 شخصًا، و في السعودية فإن 6 من كل 1000 طفل مصابون بالتوحد، وهذه الزيادة في انتشاره لها تأثيرات كبيرة في الصحة العامة، الأمر الذي شجع الباحثين لمعرفة مسبباته.
وعلى الرغم من أن مسبباته غير مفهومة بشكل واضح، إلا أن دراسات سابقة اقترحت مجموعة من العوامل يمكن أن تلعب دوراً مثل عوامل مناعية وبيئية ووراثية بالإضافة إلى الأكسدة.
وقد أثبتت العديد من الدراسات أن الأكسدة تلعب دوراً حيوياً في العديد من الأمراض العصبية مثل الزهايمر ومتلازمة البلاهة المنغولية - داون - ومرض الرعاش وانفصام الشخصية وكذلك في اضطراب التوحد الطيفي.
ويحدث التدمير الناتج عن الأكسدة عندما تفشل أنظمة الدفاع المضادة للأكســــدة في الخليــة فــــي التخلـــــص من جزيـــئات الأكسجين النشطة Reactive oxygen species (ROS)m، فالتحكم في إنتاج والتخلص من هذه الجزيـــــئات ضــــروري للحــــفـاظ عــــلى وظيــــفة الـــــخلية، ويتم التــــخلص مــــــن هـــذه الجزيئـــات بواسطة الأنــــزيمات المضــــادة للأكســـــــدة مثـــــــل Superoxide dismutase (SOD), Catalase, Glutathione peroxidase (GSH-Px)m، فانخفاض مستوى هذه الأنزيمات يؤدي إلى انحرافات سلوكية وحساسية للأغذية وأمراض معوية عند المصابين.
وقد جاءت الدراسة السعودية التي نشرت في دورية «الطب التكميلي والبديل المؤسس على البراهين» (Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine) لتقييم تأثير استهــــلاك حلـيــب الإبل فــــــي الأنزيمات المضادة للأكسدة فـــــي الأطـــــفـــــال الذين يعــــانــــون التوحــــد من خلال قياس مستوى أنزيمات الدم Glutathione, Superoxide dismutase, and Myeloperoxidase عند ( 60) مريضاً تتراوح أعمارهم بين (2 و 12) سنة ولديهم حساسية لبعض الأغذية قبل وبعد أسبوعين من تناول حليب الإبل، فلوحظ ارتفاع معنوي لهذه الأنزيمات بعد تناول حليب الإبل، وزاد نشاطهم في التخلص من الجزيئات الحرة النشطة المسببة للأكسدة.
يشار إلى أن العلماء اهتموا بالأبحاث المتعلقة بألبان الإبل في الربع الأخير من القرن العشرين فأجريت مئات الأبحاث على أنواع الجمال، وكمية الألبان التي تدرها في اليوم وفترة إدرارها للألبان بعد الولادة، ومكونات لبن الإبل.
وبعد دراسات مستفيضة خلص العلماء إلى أن لبن الإبل يعتبر عنصراً أساسياً في تحسين غذاء الإنسان كمًا ونوعاً، حيث أظهرت هذه الدراسات أن حليب الإبل له دور علاجي في العديد من الأمراض مثل حساسية الغذاء، مرض السكري، التهاب الكبد الفيروسي B، والعديد من أمراض المناعة الذاتية، فهو يحتوي على نسبة قليلة من (الدهون، الكوليسترول واللاكتوز)، ونسبة أعلى من المعادن (الكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، النحاس، الزنك، البوتاسيوم ) والفيتامينات (A, B2, E, C ) بالمقارنة مع حليب الأبقار، وبالتالي يمكن أن يظهر دور حليب الإبل في علاج اضطراب التوحد من خلال محتواه العالي للفيتامينات المضادة للأكسدة (C, A, E) والمعادن المضادة للأكسدة وأهمها (المغنيسيوم والزنك)، فهذه العناصر تعمل معاً لتحفيز الأنزيمات المضادة للأكسدة، أو يحتمل أن يكون دوره من خلال دوره في معالجة المشاكل المعوية التي تحدث بشكل كبير لمصابي التوحد، كما أنه لا يحتوي على ( بيتا جلوبين، وبيتا كازين) المسببين الرئيسيين لحساسية الأغذية في حليب الأبقار، ما يجعل حليب الإبل مناسباً لعلاج حساسية الأغذية لدى مرضى التوحد، بالإضافة إلى احتوائه على أجسام مضادة (Antibodies ) تشبه تلك الموجودة في البشر كل ذلك يساعد في تحسين سلوك مرضى التوحد.
ويتدرج لبن الإبل في مكوناته بناء على مرحلة الإدرار وعمر الناقة وعدد أولادها وكمية ونوع الطعام الذي تتغذى عليه، وكذلك على كمية الماء المتوفر للشرب. ويعتبر لبن الإبل عالي القلوية، لكن سرعان ما يصير حمضيًا إذا ترك فترة من الزمن إذا تراوح PH من 6.5 إلى6.7% ويتحول للحمضية بسرعة حيث يزداد حمض اللاكتيك من 0.03 بعد ساعتين إلى 14% بعد 6 ساعات، وتتراوح نسبة الماء في لبن الإبل بين 84 و90% من مكوناته، وتبلغ الدهون في اللبن في المتوسط نحو 5.4، والبروتين نحو3%، ونسبة سكر اللاكتوز نحو3.4% والمعادن نحو0.7% مثل الحديد والكالسيوم والفوسفور والمنجنيز والبوتاسيوم والمغنيسيوم.
وهناك اختلافات كبيرة في هذه المركبات بين الأنواع المختلفة من الإبل، وتعتمد على الطعام والشراب المتوفر لها.
ونسبة الدهون إلى المواد الصلبة في لبن الإبل أقل منها في لبن الجاموس حيث تبلغ في لبن الإبل 31.6% بينما في الجاموس 40.9%، كما أن الدهون في لبن الإبل توجد على هيئة حبيبات دقيقة متحدة مع البروتين لذلك يصعب فصلها في لبن الإبل بالطرق المعتادة في الألبان الأخرى.
والأحماض الدهنية الموجودة في لبن الإبل قصيرة السلسلة وهي أقل منها في الألبان الأخرى. كما يحتوي لبن الإبل على تركيز اكبر للأحماض الدهنية المتطايرة خصوصاً حمض اللينوليك والأحماض الدهنية المتعددة غير المتشيعة، والتي تعتبر حيوية في غذاء الإنسان خصوصا مرضى القلب.
وإضافة لذلك، فإن نسبة الكوليسترول في لبن الإبل منخفضة مقارنة بلبن البقر بنحو 40%. وتصل نسبة بروتين «الكازين» في بروتين لبن الإبل الكلي إلى 70% ما يجعل لبن الإبل سهل الهضم.
ويحتوي لبن الإبل على فيتامين C بمعدل ثلاثة أضعاف وجوده في لبن البقر، ويزداد إذا تغذت الإبل على أعشاب وغذاء غني بهذا الفيتامين.
كما أن فيتامين B1,2 موجود بكمية كافية في اللبن أعلى من لبن الغنم. كما يوجد فيه فيتامين A والكاروتين بنسب كافية.
وفي دراسة نشرتها مجلة العلوم الأمريكية عام 2005 وجد أن عائلة الإبل وخصوصا الإبل العربية ذات السنام الواحد تتميز عن غيرها من بقية الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجســـاما مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، وشكلها على صورة حرف V، وقد سماها العلماء الأجسام المضادة الناقصة أو النانوية Nano Antibodies أو اختصارًا Nanobodies، ولا توجد هذه الأجسام المضادة إلا في الإبل العربية.
كما وجدت الدراسة زيادة في وجود الأجسام المضادة الأخرى الموجودة في الإنسان وبقية الحيوانات الثديية فيها أيضا، والتي على شكل حرف Y، وأن حجم هذه الأجسام المضادة هو عشر حجم المضادات العادية وأكثر رشاقة من الناحية الكيميائية، وقادرة على أن تلتحم بأهدافها وتدمرها بنفس قدرة الأضداد العادية، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل لكل خلايا الجسم.
وتمتاز هذه الأجسام النانوية بأنها أكثر ثباتا في مقاومة درجة الحرارة ولتغير الأس الأيدروجيني تغيرًا متطرفاً، وتحتفظ بفاعليتها أثناء مرورها بالمعدة والأمعاء بعكس الأجسام المضادة العادية التي تتلف بالتغيرات الحرارية وبأنزيمات الجهاز الهضمي، ما يعزز آفاق ظهور حبات دواء تحتوي أجساما نانوية لعلاج مرض الأمعاء الالتهابي وسرطان القولون والروماتويد وربما مرضى الزهايمر أيضاً.t