لا يعرف الكثيرون منا عن إثيوبيا سوى "سد النهضة"، فى حين أن هناك العديد من المعلومات التاريخية التى تكشف مدى التقارب بين العرب وإثيوبيا بصفة عامة وبين مصر وإثيوبيا بصفة خاصة، فهذه اللغة تتمتع بمكانة مميزة على الخريطة اللغوية لإثيوبيا.
العربية فرضت نفسها فى أثيوبيا وصارت من لغات المعاملة فى كثير من المناطق إذ يوجد أقليم يتحدث أغلبه اللغة العربية، وهو أقليم بنى شنقول حيث تعتبر العربية إحدى اللغات المشتركة والرئيسية بين سكانه.
ويؤكد التاريخ أن انتشار اللغة العربية فى أثيوبيا ليس بشىء جديد، فقد عرفت طريقها إلى الحبشة منذ عقود طويلة، وتحدث بها الكثير من الأثيوبيين، نتيجة الجوار الجغرافى بين شبه الجزيرة العربية والحبشة الذى أدى إلى قيام علاقات متعددة بين الجانبين.
وهاجرت بعض القبائل العربية إلى الحبشة فأثروا فى المناطق التى نزلوا بها، حتى أن اسم الحبشة ذاته مأخوذ من اسم إحدى هذه القبائل العربية المهاجرة إلى الحبشة، والتى تسمى (حبشة) أو (حبشات)، كما أن لغة الحبشة القديمة (اللغة الجعزية) اكتسبت اسمها من اسم إحدى القبائل العربية المهاجرة، وهى قبيلة (الأجاعز) أى الأحرار.
ومع ظهور الإسلام شهدت اللغة العربية انتشاراً فى إثيوبيا، بعد هجرت المسلمين الأوائل إلى الحبشة تنفيذاً لأمر رسول الله، واستقرار المهاجرين المسلمين هناك، حيث يعد العامل الدينى فى مقدمة عوامل انتشار العربية فى إثيوبيا، فقد أخذ الإسلام يسير بخطى واسعة، واستقر فى الساحل الشرقى للحبشة، وتكونت للمسلمين مراكز استقرار على طول الساحل الشرقى لأفريقيا، وامتزج المسلمون العرب بالوطنيين وصاهروهم، فأخذ الإسلام واللغة العربية ينتشران تدريجياً، واعتنق كثير من سكان الحبشة الإسلام.
ولعبت التجار دوراً قوياً فى انتشار العربية فى إثيوبيا، حيث كان قد استقر بعض التجار العرب على الساحل الشرقى للحبشة قبل الإسلام وعملوا فى التجارة، وبعد الإسلام كثر عددهم بشكل كبير وتحدث كثيراً من الإثيوبيين اللغة العربية واحتفظوا بها إلى جانب لغاتهم الأصلية، فغالبية المدن الإسلامية اتخذتها لغة للدين والثقافة، واستخدموها لغة تعامل فيما بينهم.
ولم يقتصر تأثير اللغة العربية على مسلمى إثيوبيا فقط بل تعداهم إلى المسحيين أيضاً، وذلك عن طريق تأثير الكنيسة المصرية التى ارتبطت بها الكنيسة الحبشية، وقد تحقق ذلك التأثير عن طريق الكتب الدينية التى تمت ترجمتها ونقلها من العربية إلى الجعزية أو الأمهرية، وخاصة بعد أن حلت اللغة العربية محل اللغة القبطية فى مصر، فقد اتخذ الأقباط فى مصر من اللغة العربية لغة للكنيسة، ونقلوا إليها الكتب الدينية، كما ألفوا باللغة العربية.
ونقل الأحباش هذه الكتب من العربية إلى الجعزية، ثم إلى الأمهرية، فنقلوا قصصاً تروى أعمال الرسل، وقصة آدم وحواء، وكتباً عن معجزات السيد المسيح، وعجائب مريم العذراء، وحياة القديسين والشهداء وعجائبهم، كما تُرجمت كتب خاصة بخدمة القداس وطقوس العماد والدفن والصلوات والعظات وغير ذلك، و نقل الأحباش كتباً فى اللاهوت كانت قد دونت بالعربية، كما تُرجم عن العربية إلى الجعزية أيضاً العديد من الكتب فى القرن السابع عشر للدفاع عن المذهب اليعقوبى، واستمرت حركة الترجمة والنقل هذه مدة طويلة.
واجهت اللغة العربية هزات متعددة ومعوقات كبيرة، أدت إلى تراجع مكانتها وتقلص انتشارها، وعلى الرغم من ذلك فما تزال تحتفظ بمكانة ووضع متميز فى إثيوبيا، ولا يزال لها نوع من الوجود على الساحة الإثيوبية، ويؤكد ذلك أن اللغة العربية لا تزال هى اللغة الدينية لمسلمى إثيوبيا، فعدد المسلمين الكبير لا يزال من أهم عوامل استقرار اللغة العربية هناك وثباتها، والعربية هى لغتهم المقدسة، لأنها لغة القرآن الكريم، وهى اللغة المستخدمة فى إقامة شعائرهم الدينية، وتعلمها ملازم لحفظ القرآن الكريم وفهمه، وضرورى لفهم تعاليم الإسلام من مصادره الأساسية.
وتتمتع اللغة العربية بوجود ملحوظ على الساحة الإعلامية الإثيوبية، فالإذاعة الإثيوبية تُخصِّص ساعة من إرسالها تُقدم باللغة العربية يومياً، وتتناول هذه الفترة الأخبار المحلية والعالمية، كما تتضمن بعض البرامج والأغانى العربية.
وتوجد بعض المؤسسات فى أثيوبيا تدرس اللغة العربية منها جامعة أديس أبابا والتى فتحت قسم لتدريس اللغة العربية فى العام ٢٠١٠م وجامعة "جما" جنوب غرب إثيوبيا وجامعة "ولو" شمال إثيوبيا وهناك جامعات تحاول فتح أقسام للغة العربية مثل جامعة "هرمايا" فى منطقة هرر وجامعة "سمرا" فى إقليم العفر وجامعة "أسوسا" فى إقليم بنى شنقول غرب إثيوبيا.
كما توجد مدارس تدرس اللغة العربية مثل مدرسة الجالية اليمينة والمدرسة الأولية والكلية الأولية وكلية سندباد ومدرسة أبادر الإسلامية فى أديس أبابا ولها فروع فى كل من مدينة دسى ومناطق "ولو وهرر" ويوجد أيضاً عدداً من المدارس تدرس اللغة العربية كمادة للتواصل.
كما أنه يوجد بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، فقد تم تأسيس القسم العربى بالإذاعة الإثيوبية قبل أكثر من خمسين عاما وكان يبث برامجه للدول المجاورة، وفى عام ٢٠٠٨ تم افتتاح القسم العربى بالتليفزيون الأثيوبى، وتم دمج الإذاعة والتلفزيون باللغة العربية معا فى العام٢٠٠٩، وهناك صحيفة تصدر باللغة العربية من مؤسسة الصحافة الأثيوبية تسمى العلم وتأسست قبل أكثر من خمسين عاما فى عهد الإمبراطور هيلى سلاسى وتصدر أسبوعياً.
وهناك عدد آخر من المؤسسات تتعامل باللغة العربية ولها علاقات واسعة داخليا، خاصة مع كون أثيوبيا مقرا رئيسيا للاتحاد الأفريقى والذى اعتمد العربية
من اللغات الأساسية للتخاطب.
منقول..