لا يوجد في القرآن ما يشير إلى أن البشر معصومون، أو أنهم يعلمون الغيب، أو يمتلكون قوى خارقة للطبيعة. حتى الأنبياء، الذين اصطفاهم الله برسالاته، أكد القرآن بشريتهم وحدود قدراتهم. فآدم عليه السلام عصى ربه: "وعصى آدم ربه فغوى"، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عنه: "قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون." فكرة العصمة الكاملة للأنبياء والأوصياء ظهرت كنتاج لرغبة بشرية قديمة في خلق شخصيات مثالية تُجسد الأمنيات الإنسانية. كما قال الله تعالى: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا وللبسنا عليهم ما يلبسون." هذا يعكس ميل البشر إلى تصور الكمال في رجالهم، سواءً كانوا أنبياء أو علماء أو قادة. لم تقتصر هذه المبالغات على الأنبياء، بل تجاوزتها إلى الرجال العاديين، حيث يكفي أن يُنسب قول إلى شخصية ذات مكانة ليُعامل وكأنه وحيٌ منزل، دون نقاش أو تحليل. وتتجلى هذه المبالغات في التاريخ البشري، حيث نجد مثلًا المسيحيين ينسبون الألوهية لعيسى عليه السلام، بينما اليهود، الذين عرفوا تقوى أمه مريم، طعنوا في طهارتها. والعلم اليوم يُثبت إمكانية الإنجاب بوسائل علمية دون الحاجة إلى اتصال جسدي، مما يُلقي الضوء على عظمة قدرة الله في خلق المسيح من غير أب. ومثلما اختلف اليهود والمسيحيون في تصورهم عن الأنبياء، انقسم المسلمون أيضًا؛ فمنهم من ينكر فضل محمدٍ وآله لدرجة ألا يعجبه أن يكون مسجدا باسم الرسول (ص)، ومنهم من بالغ في تقديس رجاله حتى جعلهم في مرتبة أنصاف الآلهة. هذا يدعونا للتفكر في أهمية الالتزام بالوسطية التي يدعو إليها الدين، دون إفراط أو تفريط.