الدموع ليست للبكاء فقط...


==============

أول ما يفعله الإنسان بعد ولادته هو البكاء، فيطمئن من حوله أنه بخير، ولكن بكاء المواليد رغم شدته فإنه شحيح الدموع، وبكاء الكبار رغم قلته فإنه غزير الدموع، يا تُرى لماذا؟

المواليد وصغار الرضع، غددهم الدمعية غير ناضجة بشكل تام، لذلك لا يذرفون الدموع في شهرهم الأول، والبعض يولد بانسداد في هذه الغدد، إمّا في عين واحدة أو في العينين معًا، وعندها يحتاج إلى العلاج.

فالدموع ليست للبكاء فقط، هي مادة أساسية ينتجها الجسم للحفاظ على صحة العينين وسلامة الرؤية. صدق أو لا تصدق، أن الإنسان يُنتج قرابة 30 جالونا من الدموع سنويًا، والنساء يذرفن الدموع في الواقع أكثر من الرجال، بعض التقديرات أشارت إلى أن النساء يبكين 5.3 % مرة في الشهر مقابل 1.4 % للرجال، ليس في عدد مرات البكاء فقط يتفوقن النساء بل أيضًا في مدة البكاء ،حيث إن المرأة تستغرق في البكاء قرابة 6 دقائق، بينما الرجال 2-4 دقائق، وهذا يعود إلى أن القناة الدمعية عند النساء سطحية أكثر من الرجال، فيكون انحدار الدموع أسرع.

تفرز الدموع من الغدد الدمعية الموجودة في الجزء الخلفي من الجفن العلوي.

تحتوي جميع الدموع على الماء، الدهون، البروتين، أجسام مضادة، جلوكوز وصوديوم (الملح)، ينتقل هذا السائل الغني بمضادات الإلتهاب والمواد المرطبة، من الحافة الخارجية لمقلة العين نحو القرنية، فيرطب سطح العين بالكامل في كل مرة نرمش فيها.

رغم أن الدموع لها المصدر نفسه، إلا انها تختلف في النوع، فهناك دموع أساسية، وهي تلك التي تنتجها الغدد الدمعية باستمرار بكميات صغيرة لتليين القرنية وإبقائها خالية من الغبار، وهذه وظيفة حيوية لضمان حدة البصر، كذلك تعتبر جزءاً من الجهاز المناعي لمنعها إلتهابات العين.

ونوع آخر من الدموع تفرزه العين كردة فعل حينما تتعرض لأي مهيجات، كالغبار، أو الروائح النفاذة، كرائحة البصل، أو حتى عند تناول طعام يحتوي على فلفل حار، وتسمى دموع انعكاس تهيجي، ومهمة هذه الدموع هي تنظيف العينين وطرد هذه المهيجات، وكذلك تحتوي على مضادات للالتهاب، وكميتها حينما تُفرز أكبر من كمية الدموع الأساسية، لأنها تنهمر على الوجنتين في كثير من الأحيان ويصاحبها احمرار في العينين.

هناك نوع ثالث من الدموع، مرتبط بالعواطف، في أوقات الفرح أحيانًا تداهمنا كثير من الدموع نعجز عن ردعها، وحين نحزن نغرق في دموعنا أيضًا وكأن الدموع تنبع من القلب، ( وما بكت عينٌ إلا وراءها قلب)، كما قال الإمام علي ابن ابي طالب. هذا النوع من الدموع هو دموع التفاعل العاطفي أيا كان نوعها. حتى الضحك له دموع، كم مرة تفجرت دموعنا ونحن نضحك، على موقف أو مشهد كوميدي، الغريب أن الغدد هي ذاتها، ولكن لكل إحساس دموع مختلفة. تحتوي دموع التفاعل العاطفي على نسبة بروتين أعلى، وغنية بالهرمونات، هرمونات السعادة كالبرولاكتين، والهرمونات المهدئة، فتقضي على التوتر، ويشعر الإنسان بالارتياح، و تحتوي على مسكنات للألم، فإذا ما بكينا خفت آلامنا، الدموع التي تنهمر تحت وطأة سعادة مفرطة ما هي إلا من أجل إعادة التوازن إلى الحالة النفسية والشعورية للإنسان، وذلك من خلال تحفيز رد الفعل المضاد للسعادة، وهو ذرف الدموع، السعادة المفرطة كالحزن المفرط كلاهما مؤذ، الدموع تخفف من حدتهما.

ولكن هل طعم الدموع يختلف في حالتي السعادة والحزن، أو لهما شكل مختلف؟

أوضحت الأبحاث العلمية أن كل دمعة تبدو مختلفة بعد تكبيرها لنحو 100 إلى 400 ضعفًا تحت المجهر، ليس شكلًا فقط إنما تركيبًا، هناك دراسة استمرت قرابة السبعة أعوام لدراسة مئة دمعة، فوجدوا أن دموع الفرح والسعادة تبدو أجمل من غيرها تحت الميكروسكوب، دموع الحزن أكثر ملوحة من دموع الفرح، يبدو ذلك جليًا فكل الذين حزنوا وانهمرت دموعهم بغزارة احمرت وجناتهم اثر الملوحة الزائدة، ويشعرون بالمرارة في حناجرهم، ولكن الأكثر تعاسة هم أولئك الذين حتى وهم في قمة حزنهم يعجزون عن البكاء، فيبقى الأسى في قلوبهم. كبت الدموع يؤدي إلى الإحساس بالجهد والتوتر، كما أنه يمكن أن يتسبب في الإصابة ببعض الأمراض مثل الصداع وارتفاع الضغط وأمراض القلب، فابكوا متى أردتم واتركوا الباقي للدموع.

أخيرًا.. عليّ أن أنبه إلى أن ليس كل دمع، حقيقيا، فخذوا حذركم.. الدموع تكذب أحيانًا