قصة سورة--


كان” الوليد بن المُغيرة” من أفصَحِ العرب وأشعَرهِم وقد مَرَّ على النبي في المسجد الحرام وهو يقرأ من سورة غافر. ﴿حم *تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم *غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير" وكان الوليد يسمع قراءة النّبي، فَفَطِن له (أي


فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه؛ فاجتمع إليه نفر منهم، وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم (موسم الحَجّ)، فقال: يا معشر قريش إنهُ قد حضر الموسم، وإنَّ وفود العرب سَتقدُم عليكم، وقد سَمِعوا بأمرِ صاحبكم هذا؛ يعني للرسول_ صلى الله عليه وسلم فأجمِعُوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيُكذّب بعضكم بعضاً، ويَردُّ قول بعضكم بعضاً.


فقالوا: قُل أنت يا أبا شمس، وأقِم لنا رأياً نقوم به. فقال: بل أنتم قولوا أسْمَع. فقالوا: نقول كاهن؟! فقال: ما هو بكاهن لقد رأيت الكُهَّان، فما هو بِزَمزَمةِ الكاهن وسَجعهِ. فقالوا: نقول مجنون؟! فقال: ما هو المجنون لقد رأينا الجُنون وعرفناه، فما هو تَخنُّقهُ ولا تَخالُجهُ


فقالوا: نقول شاعر؟! فقال: ما هو بشاعر قد عرفنا الشِّعر بِرَجزِهِ وقَريضهِ، ومقبوضة ومبسوطة، فما هو بالشعر. قالو: فنقول ساح؟! قال: ما هو بساحر قد رأينا السَّحرةَ وسِحرهم، ما هو بِنَفثهِ ولا عُقَدهِ. قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟! قال:” والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛


ثم انصرف الوليد إلى منزله، فقالت قريش: صَبأ والله الوليد، وهو رَيحانة قريش، والله لَتصبَأنَّ قريش كلها. فقال أبو جهل: أنا أكفِيكُموه. فانطلق حتى قَعد إلى جنب الوليد حزيناً. فقال له الوليد: “مالي أراك حزيناً يا ابن أخي؟” فقال: “وما يَمنعني أنْ أحزن؟ وهذه قريش يَجمعون لك

فَغَضب الوليد، وقال: “ألم تَعلم قريش أنّي من أكثرها مالاً وولداً؟ وهل شَبِع محمد وأصحابه، ليكون لهم فضل؟”. ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: “تزعمون أنَّ محمداً مجنون، فهل رأيتموه يَحنقُ قط؟ قالوا: اللهم لا. قال: تزعمون أنّه كاهن، فهل رأيتموه تَكَهَّن قط؟ قالوا: اللّهم لا. قال: تزعمون أنّه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ قالوا لا.

فقالت قريش للوليد فما هو؟ فتَفكَّر في نفسه ثمَّ نظرَ وعَبَس، فقال: “ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يُفرِّق بين الرَّجل وأهله، وولده ومَوالِيه، فهو ساحر، وما يقوله سِحرٌ يُؤثر”. فنزل فيه قولُ القرآن، في سورة المُدّثّر: