مضى على نزول القرآن الكريم , على رسول الإسلام ما يزيد عن 1444 عاما ومنذ ذلك الحين والمسلمون يقرأونه فرادى ومثنى وجماعات , وفي كل الأوقات , ولكن تلك القراءة لم تتجاوز ,التلاوة اللفظية بأصوات مختلفة ,و بقراءات مختلفة , اعتمد على التلقين , والحفظ والترديد دون التدبر والتأمل في معاني وكلمات هذا الكتاب , والذي هو كتاب كامل وشامل ولا ريب فيه الى يوم الدين , لأنه منزل من الله خالق هذا الكون ..
الخطأ التاريخي الذي وقع فيه المسلمون , ولا زالوا يرتكبونه هي محاولاتهم قراءة وتفسير القرآن وفق منهج وضعي بشري , ومفاهيم ومصطلحات لغوية بشرية تعتمد على المكان والزمان الذي يتواجدون فيه؟ ,ان استعارة مفاهيم وقتية ومكانية ولسان بشري لتفسير هذا الكتاب هو خطأ فادح في حق هذا الكتاب , لسان القرآن والذي هو ليس لسان بشري , لا يجوز تفسيره إلا بلسان القرآن نفسه..
فى هذا المقال نحاول تسليط الضوء على قراءة مغايرة , وفهم مختلف لمعاني القرآن الكريم وتفسيره من خلال معاني القرآن نفسه , وليس من خارجه مع الأخذ فى الاعتبار, غياب اي ترادف لكلمات القرآن ؟ ونسأل الله التوفيق …
منهج التأويل
اولا
عندما يتعلق الأمر بالقرآن، يجب ان ألا تكون قراءتنا قراءة سطحية. كلمات القرآن يجب أن تفهم في السياق القرآني الحصري، بما يعني فهم الجزئيات من كلياتها, كما تفهم اليد على أنها جزء لا يتجزأ من الجسم. ومن الناحية الأخرى, الكليات لا تفهم الا عبر الجزئيات. فعقولنا تعمل على هذا النمط الازدواجي
فلدينا في القرآن مصطلح يعبر عن هذا الأسلوب الازدواجي المتأصل في العقل وهو مفرد التأويل
المضمون الذي يحتويه هذا المنشور هو ان اسلوبنا الفهمي او المنهجي بما يخص القرآن يفتقد هذا العامل المحوري, ففي العادة, القرآن لايدرس, بل يلقن. وهذه الإشكالية التي على أساسها بني الفكر المتطرف ايا كان نوعه .
مفردات القرآن ترمز للغاية لا للمادة....
على سبيل المثال في فهمنا لكلمة 'تجري' أو أي مفرد قرآني, شرط اساسي هنا هو أن علينا ألا ننظر الي المعاجم لأن المعاجم تفاسير، بل أن نتخذ القرآن كمعجم حصري لكل كلماته. معنى كلمة 'تجري' موجودة في القرآن في أكثر من سياق. و هذه فرصة جوهرية للتطرق لعلم او مبدأ التأويل:
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ
تاويل
كلمة تَجْرِي هنا تدل على 'التزويد' أو 'التجهيز'، تدل على خاصية الشيء أو الدور التزويدي للشيء المذكور (الشمس، الريح، الفلك)، تجري هنا تشديد للطابع 'التزويدي' والخصائصي لهذه الكلمات، بما يعني، 'تجري' تركز على ما يحويه الشيء الذي سبق ذكره من غاية/وظيفة.
الشمس تجري يعني أن التركيز هنا يكون على خاصية ودوار الشمس، الفلك الى خاصية ودور الفلك، الريح إلى خاصية ودور الريح، انهار الجنه الي خاصية ودور الأنهار. أي العامل المؤثر والخاصي لهذه الأشياء.
ثانيا
فلك نوح
كلمة الفلك ليست مرادفة لكلمة سفينة، الفلك ليست السفينة. كلمة سفينة مذكوره في القران، وليس في القرآن ترادف، كل كلمة ترمز لشيء معين، فردي، خاص بها.
الفلك هي الخاصية الغائية الشيء المذكور، أي 'الإيصال'، وأقصد هنا أن تأخذ شيء من نقطة أ إلى نقطة ب في محيط مضاد, البحر هنا.
هذا الإيصال ليس بالضرورة أن يكون حركي، بل شرطي للحركه, اي هدفي (حركة النبات من بذرة إلى شجرة، أو حركة الشمس من مشرق إلى مغرب) هذه مفهوم الهدفية (ما يسمى بالغائية---الغاية العليا الاروسطوي كما يشرحها في كتاب ‘ما وراء الطبيعه’) هذا مفهوم اعلى من مفهوم الغائية الفيزيائية المكانية (حركة جسم في محيط بيئي). الحركة يمكن أن تكون للمحيط ذاته، لا لشيء بعينه الشيء الذي يجري.
الفلك ترمز للخاصيه 'الهدفية' والغائية' للشيء، لا لماديه، أو طابعه الهيكلي او الهندسي.
وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
بما يعني أن الليل والنهار لهما نطاق فعلي 'غائي' محدد في منظومة مسيرة. فلك هو النطاق الغائي المخصص للوظيفة الشيء المذكور، النهار له نطاق غائي كامل مخصص لوظيفته، والليل كذلك، وبذلك لا يمكن لهما التصادم.
عندما أمر الله نوح بصنع الفلك، كان يقصد هنا لغاية الشيء المصنوع قطعا. الفلك تعبير حاسم، يدل (في هذا السياق الخاص) على الآلية التي ستأوي نوح والذين معه طوال فترة الفيضان حتى انتهائه، وليس قصرا المادية الآلية .
'تجري' تشدد على العامل التزويدي للشيء،
والفلك تشدد على العامل الغائي المحدد للشيء في محيط مضاد.
فعندما قال الله "وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَال
"وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ"
الله يريد أن يبين لنا ارتباط المفهومين.
فلك نوح (غاية الآلية في محيط مضاد:الفيضان-الماء) تجري (خاصية الآلية: أنها تحوي نوح والناجين معه---كما تحوي الريح مفهوم النفع عندما اسجدها لسليمان) ألا ترى؟ كلمات القرآن لا تعبر حصرا على مادية الأشياء أو عدده، بل لغايتها ! .
اخيرا في سورة القمر الاية 12 الى 15 يقول الله أنه فجر الارض عيونا وفتح أبواب السماء فالتقى الماء على قدر. لا يمكن لأي سفينة النجاة من هذا لأن مفهوم السفينة لا يحوي الفلك، اي آلية الغاية، كما خرق الخضر السفينة في سورة الكهف، لم يكن القرآن أن يقول 'خرق الفلك' لن ذلك سيكون تناقض،
قوم نوح كان لديهم سفن. نوح لم يصنع شيء عادي. الله يقول ايضا "ولقد تركناها اية فهل من مدكر" ؟. بما يعني أن فلك نوح موجود امامنا الآ.ن؟.
الكاتب / أشرف ابراهيم