اللاقبى وحوارات الأمم المتحدة...

في نهاية الألفية السابقة كنت أدرّس الإغريقية و اللاتينية في جامعة عمر المختار على سبيل التعاون و كنت أرافق في رحلتي الأسبوعية من بنغازي إلى البيضاء مرورا بالمرج الزاهرة الأستاذ الدكتور امراجع الغناي و الأستاذ الدكتور رجب الأثرم و الدكتور سالم الزناتي و صادف أن تغيبت أحد أيام السفر بسبب مرضي لعدة أيام بالتهاب في الكلى و ترددت على عدة أطباء و تناولت أدوية كثيرة و لـمّا علم أحد زملائي بذلك و هو من سكان الجفرة و كان وقتها في قريته ما كان منه إلا أن أحضر لي " جالون 5 لتر " من "لاقبي - لاقمي" النخيل و جاء لعيادتي في البيت و أخبرني أن هذا العصير مفيد جدا لعلاج الالتهاب بشرط أن يظل حلو المذاق " لا يحمض أو يقرص " فشربت منه قليلا و قدمتُ بعضه لضيوفي  و ما بقى منه أخذته معي صبيحة الأربعاء عندما توجهنا إلى البيضاء ، و مررنا على المرج حيث كان بعضنا يحاضر هناك ثم استئنفنا المسير على تمام الساعة 12 كالمعتاد و ما هي إلا دقائق حتى تحسّس أحدهم الجالون و قال : "مازال بارد ، خلونا نشربوه قبل ما يسخن و يحمض " و كان كذلك ، فقلت لهم : " أنا سأقود السيارة ، حتى لا يعاقبنا المرور على القيادة في حالة سكر " رغم أن العصير مازال حلوا و الرفاق ليسوا من أولئك القوم و إلا ما كنت أرافقهم ، فتوليت قيادة السيارة و وصلنا بسلامة الله و كان من عادتنا أداء صلاة الظهر في المسجد المجاور لضريح الصحابي رافع بالقرب من الجامعة قبل دخولنا إلى المحاضرات التي تبدأ الثانية بعد الظهر ، فقابلنا في ذلك اليوم في المسجد أحد أصدقائي الأعزاء من كرماء مدينة سوسة كان يعمل في المكتب الشعبي باليونان فألح بشدة على استضافتنا على الغداء و لـمّا عجزنا على إقناعه بتعذر ذهابنا معه ، قال له الدكتور امرجع رحمه الله : " يا بوصاحب نحنا شاربين جالون لاقبي-لاقمي في الطريق و قبل قليل تغدينا و الآن ماشيين للمحاضرات " فرد و هو صاحب نكتة دائمة : " شاربين لاقبي و أخرى تصلّوا في سيدي رافع  " و بعد نقاش و إلحاح وعدته أنني سأزوره في سوسة ، و فعلت و زرته في بيته أثناء احدى رحلاتي مع طلابي إلى سوسة .

اليوم وجدت اللاقبي يباع في محل مختص ببيع التمور في طرابلس فتذكّرت الموقف و نظرت إلى حال الوطن بعد هذه السنين فأدركت  أن شرب اللاقبي حلواً و حامضاً  لم  يعد عيباً بل قد يؤهل شاربه للمشاركة في حوار تحت رعاية الـ U.N  بعد أن صار كل شيء مباح و لا فارق بين شرب اللاقبي أو تدمير ضريح الصحابي رافع أو غيره من المعالم التاريخية أو حتى خيانة الوطن قبل تدميره و بيعه بثمن بخس .

رحم الله زملائي الدكتور رجب و الدكتور امراجع و أطال الله عمر الدكتور سالم الزناتي و أعاد الله عليكم هذه الأيام بالخير و البركة .