كتاب مهم عن الأزمة الليبية...؟

”الشواطئ المحترقة"

=============


ُيُظهر كتاب ”الشواطئ المحترقة: داخل معركة ليبيا الجديدة"، للكاتب الأمريكي (فريدريك ويري) !! صراع الزعامات، وتضارب المصالح، وتشتت الأراء ، وتحكم النفوذ وتقاتل الأخوة والدمار.

تحتوي صفحات الكتاب على مزيج متسق في أحايين كثيرة على  شهادات للكاتب ومذكرات خاصة، وتواريخ مهمة، ويحمل بين طياته تحقيقات  وتقارير استخباراتية غاية في الأهمية.… لغة السرد لغة صحفية تزخر بالتفاصيل الغنية لا يغيب عنها الصور  البديعة.


لا يجد القارئ أي صعوبة في استنتاج تغلغل المخابرات الأمريكية في مفاصل الدولة المنهكة، ويخلص من يقرأ بين السطور أن عدداً كبيراً من الليبيين الذين تصدروا المشهد خلال الأعوام الماضية من سياسين وعسكريين وثوار ومسؤلين ونشطاء ومؤسسات مدنية ورجال أعمال كانت لهم علاقة مباشرة مع رجال السي أي إي (CIA) ..

في (الشواطئ المحترقة) تقرأ بحرقة تقاتل الأخوة الأعداء، وتعاظم المد القبلي، وتغلغل الفكر الديني المتشدد، وولاء المال…وتخلص إلى حقيقة صراع الوجاهات وحرب الوكالة بين معسكر الأمارات ومصر والسعودية من جهة ومعسكر قطر وتركيا من جهة أخرى.


يقدم (ويري) شرحًا ثاقبًا للصعوبات التي تواجه بناء دولة ليبيا، ويكتب بخبرة المطلع على أحداث الربيع العربي سبل تحقيق الاستقرار في بلد مدمر أنهكته الملمات وتغول المليشيات وتسلط نعرات القبيلة ونهب الثرواث وتدخل بلدان الجوار ويحلل بدهشة حدود النزاع الذي أختار الغرب ببعض من السذاجة السياسية تجاهله بشكل كامل.


يوفر الكتاب الذي يقع في ثلاِثمائة وستة وعشرين صفحة من القطع المتوسط معلومات غنية غير متحيزة ومثيرة للانتباه ومستقاة من لقاءات مباشرة وشهادات مذهلة مريبة وحقائق صادمة مع شخوص متنفذين في دور صناعة القرار في أمريكا، وأوربا والعالم العربي…


معلومات في طياتها حقائق مذهلة، تنصف في كثير من وقائعها طائفة كبيرة من الثوار، وتكشف عن معرفة تامة بالشخصية الليبية…إذ أتاحت علاقة الكاتب وطبيعة عمله مع السفارة الأمريكية ومبدأ المصالح المشتركة الوثيقة له ميزة غريبة وخاصة في استقراء الأحداث والوصول إلى بيانات دقيقة  ..


في مقدمة وثلاثة فصول مقسمة على ثلاثة عشر جزء وخاتمة ..يستشفي المرؤ طبيعة الصراع، بين الأطماع الشخصية، والولاءات القبيلية، والتدخل الأقليمي، والتشدد الديني والخلاف المميت بين طوائف الإسلام ”الراديكالي“..وحرب الكلمة والإشاعات وفجور الخصومة.


يوضح في مقدمته أسباب ثورة فبراير، ويكشف عن علاقة  أبناء  "القذافي" بالحكومة الأمريكية، وزيارة "خميس" وبناء اللواء 32 معزز..


معلومات دقيقة وقيمة وصادمة في كثير منها، عن كتائب الثوار وأعدادهم ، عن قادتهم، عن تعاونهم في بناء الدولة، عن المليشيات المنبثقة منها وتغلغل أعضاء ”تنظيم الدولة“ بين صفوفهم، …معلومات عن مقتل السفير ومساهمة كتيبة 17 فبراير في التصدي لهجوم بنغازي، ومحاولة أنقاذ السفير…معلومات عن تقدير الحكومة الأمريكية ”لدرع ليبيا“…معلومات عن القبض على ”بوختالة“ بعد وشاية مساعده الخاص ورفيقه الملاصق له.

معلومات عن تحرير طرابلس، عن الصراع بين ”بالحاج“ و“النايض“..عن المدن وصراعاتها القديمة، عن العداء المستفحل بين الزنتان ومصراتة ..عن صراع "فجر ليبيا” و"الكرامة"، عن الدولة داخل الدولة، عن الحدود المنتهكة ..عن ”بن حميد“ و "الغرابي“..عن ”أنصار الشريعة“ وعن قائد ”الكرامة“…

عن ”زيدان“ وحكومته وأداءه، عن الفيدراليين و“الجضران“ و“بعيرة“..عن بيع النفط وأهدار المال. .عن النشطاء السياسيين، عن علاقته بعائلة ”سلوى بوقعيقيص“ ومقتلها وإختفاء زوجها ”عصام“.عن اغتيالات ”بنغازي“ ، عن ”تربل“ و“المسماري ” و“أبوبكر حبيب“…عن عملاء المخابرات الأمريكية  المنتشرين في ربوع البلاد، عن الصراع الإماراتي القطري…عن خبايا المجلس الإنتقالي..عن مقتل ”عبدالفتاح يونس“ ..عن أبناء ”مليقطة“ و“القعقاع“، عن ”جحا“ و“بادي“ و“السويحلي“…عن ”العزل السياسي“… عن ”كاره“ و“الردع“ والسجون ..عن ”شورى بنغازي“،و“فتحي العبيدي“ ”محمود جبريل“ و“فوزي بوكتف“…عن ”الكرامة“ و“حفتر“ وأبنائه و“بوخمادة“ و“الحاسي“.

تبين الصفحات حسب رواية (ويري) أملاً كان منشوداً لكل الليبيين،  ويرسم في كثير من أوراقه طموح الليبيين والليبيات لبناء الدولة المدنية، بداية من التعاضد بين أبناء الوطن الواحد ومروراً بتجربة الإنتخابات والثناء على الثوار الأوائل في حمايتها، …بين حكومات مشلولة وأحزاب لها متصارعة… ومؤتمر وطني لم يرق إلى طموح المواطن البسيط، وبرلمان عاجز ومؤسسات موازية في الشرق والغرب، و تغلغل الدولة العميقة وفلول النظام السابق، وإنتهاء بإنهيار الدولة وأنقسامها وتفتت النسيج الإجتماعي بعد عملية ”الكرامة“.


بيد أن المثير للدهشة، أن يغفل الكتاب عن تقديم معلومات عن حكومة ”الكيب“ ورئيس المؤتمر الوطني ”المقريف“ وخليفته ”بوسهمين"…والمثير حقاً أن يكون للإخوان ذكر متواضع جداً بين طيات الكتاب ويكتفي بذكرهم كخصوم وتأثرهم بإنقلاب ”السيسي“…تناسى الكاتب رموزاً وأشخاصاً بعينهم كان لهم دوراً بالغاً في أحداث الثورة خلال السبعة سنين الماضية.. 


بالرغم من أغفاله أحداث وتواريخ مهمة، إلا أن الكتاب جدير بالقراءة..إذ يسلط الضوء على خفايا مذهلة.. ويعدو مصدراً  غاية في الأهمية إذ يوثق لحقبة مهمة في تاريخ ليبيا الحديث، ويكشف الغطاء عن حقائق يحاول الكثير أخفاءها…..نجح (ويري) في تدوين شهادته وبعين محايدة في كثير من أجزاءه .


أرجو أن يلقى مكانه مترجماً  في المكتبة الليبية ..سأحاول أن أضع في كتابات لاحقة ترجمة لبعض من فصوله التي اعتقد أنها جديرة بالقراءة والتمعن والوقوف على أحداثها.


============

!! (فريدريك ويري)..باحث أميركي في شؤون الشرق الأوسط وخبير في السياسة الليبية والعربية وأحد المشاركين المميزين في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي..متحصل على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد..ومحاضر وكاتب لديه العديد من المؤلفات التي تعنى بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط..كانت له شهادة مميزة أمام الكونجرس الأمريكي حول الحاجة إلى سياسة أمريكية أكثر فعالية في ليبيا.

upload.jpg