ما مصير عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي؟


نقلا عن —العربي الجديد – أسامة علي
لا يزال مصير عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي غامضاً بعد مرور عشرة أيام على اختطافه في بنغازي، فيما لا تتعامل الجهات الأمنية التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر مع الحادث بوضوح وسط مخاوف في أوساطها من إمكانية أن تتسبب الحادثة في دفع ملف الاختفاء القسري والاختطافات في معسكر شرق ليبيا إلى الواجهة. ومساء 18 مايو/أيار، انقطع الاتصال بين الدرسي وذويه بعد مغادرته لاحتفال أقامته قيادة حفتر في بنغازي بمناسبة مرور عشر سنوات على “عملية الكرامة”، التي شارك فيه الدرسي برفقة عدد كبير من النواب، من بينهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى حفتر وأنجاله ولفيف من القادة العسكريين المقربين منه.

وإثر أكثر من بيان أصدرته قبيلة الدرسي للمطالبة بضرورة الكشف عن مصير ابنها عضو مجلس النواب، أعلنت قيادة حفتر استقبال حفتر وفداً من أعيان قبيلة الدرسي، مساء أمس الاثنين، لـ”الوقوف على آخر المستجدات في حادثة اختطاف عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي والاطلاع على تفاصيل التحقيقات الجارية”، وفق بيان القيادة، دون أي تفاصيل أخرى. وبالتزامن، أصدر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، توجيهاً للجنتي الدفاع والأمن القومي بالمجلس ولوزارة الداخلية بحكومة مجلس النواب بـ”تكثيف التحري والبحث عن النائب المختفي” إبراهيم الدرسي.

واكتفت قيادة حفتر في السابق ببيان طالبت فيه أجهزة أمن حكومة مجلس النواب بضرورة البحث عن إبراهيم الدرسي، فيما لا تزال الحكومة تلزم الصمت، ولم تعلن حتى الآن أي نتائج بشأن التحقيقات التي سبق أن أعلنت الشروع في البحث عن الدرسي. وإثر تداول منصات أخبار ليبية مساء الثامن عشر من الشهر الجاري أنباءً عن اختطاف إبراهيم الدرسي على يد مجموعة مسلحة مجهولة بعد مغادرته مكان الاحتفال، وإمكانية أن يكون قد تعرض للاغتيال، سارعت وزارة الداخلية بحكومة مجلس النواب إلى نفي مقتل الدرسي، مؤكدة أن “هذه الأخبار غير صحيحة تماماً”، ودعت المواطنين إلى “عدم الانسياق وراء الشائعات”.

وأعلنت الوزارة أنها تلقت بلاغاً حول اختفاء إبراهيم الدرسي “بعد سرقة منزله في ساعة متأخرة” من ليل الثامن عشر الشهر الجاري، وأنها “في ضوء هذه الواقعة كلّفت مدير أمن بنغازي وجهاز الأمن الداخلي وجهاز البحث الجنائي فتحَ تحقيق شامل وعاجل للوقوف على ملابسات اختفائه”، كذلك سارع رئيس الحكومة، أسامة حماد، إلى تأكيد بيان وزارته، وطالب أجهزتها الأمنية بتكثيف البحث عن الدرسي وتأمين رجوعه إلى أهله سالماً، لكنه ووزارته لم يعلنا منذ ذلك اليوم أي جديد بشأن الدرسي ومصيره.

وأثار اختفاء الدرسي ردود فعل واستياءً واسعاً من قبيلته التي أصدرت أكثر من بيان وجهت فيها مطالبها لحفتر بضرورة البحث عن الدرسي، وكذلك في أوساط العديد من المراقبين والمهتمين بالحريات والشأن الحقوقي وسط مخاوف من أن يلقى الدرسي مصير عضو مجلس النواب سهام سرقيوة المغيَّب مصيرها منذ منتصف عام 2019، والتي اختُطفت على أيدي مسلحين مجهولين بعد أن أدلت بتصريحات انتقدت فيها عدوان حفتر على العاصمة طرابلس.

وربط العديد من المراقبين بين حادث اختفاء الدرسي، وتصريحات أدلى بها قبل أسبوع من اختفائه انتقد فيها سيطرة أبناء حفتر على مقاليد الأوضاع في شرق البلاد مقابل إقصاء أبناء المنطقة عن الحصول على حصص في مشاريع الإعمار التي يقودها أبناء حفتر في بنغازي ودرنة ضمن مشاريع إعادة الأعمار، قبل أن يتراجع عن انتقاداته في ظهور إعلامي قبل اختفائه بثلاثة أيام بالثناء على قيادة أبناء حفتر لمشاريع الإعمار.

وفيما يرى المحامي والناشط الحقوقي بلقاسم القمودي، صحة الربط بين تصريحات الدرسي واختطافه، إلا أنه لا يوافق على أن الدرسي لقي مصير سرقيوة لعدة اعتبارات، أهمها وجود ظهير قبلي للدرسي يمكن أن يسبب لحفتر قلقاً يتزايد بانضمام القبائل الأخرى الساخطة عليه، كقبيلة البراغثة التي لا يزال ما تعرضت له في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في أثناء مقتل ابنها المهدي البرغثي، الوزير السابق، قريباً، وكذلك قبائل أخرى.

ويرجّح القمودي أن إبراهيم الدرسي نُقل إلى أحد السجون السرية داخل معسكر حفتر الرئيسي، بعد أن تورطت مليشيا تابعة لأحد أولاده في اختطافه على خلفية الانتقادات التي وجهها الدرسي لهم. وقال متحدثاً لـ”العربي الجديد” إن “كل ما يفعله حفتر الآن هو إطالة أمد الحادثة حتى يطويها الوقت ويطلق سراحه، وقد حدث هذا في السابق مع العديد من الشخصيات”، مشيراً إلى أن نائب وزير الداخلية الحالي بحكومة مجلس النواب، فرج قعيم، تعرّض مقره في بنغازي لاقتحام مسلح عام 2018، بسبب تصريحات مناوئة لحفتر، واعتقل لعدة أشهر قبل أن يفرج عنه ويرجع للعمل في معسكر حفتر كإحدى الشخصيات البارزة.

ويستند القمودي في رأيه إلى مسارعة وزارة الداخلية في حكومة مجلس النواب إلى نفي مقتل الدرسي، ومحاولة إظهار الحادث في طابع جنائي بالحديث عن العبث بسيارته وسرقة بيته، معتبراً أن بيان الوزارة “قرينة قد تشير إلى علم الوزارة بوجود الدرسي حياً في أحد المقارّ العسكرية لحفتر بعد تورط أحد أولاده بذلك دون علمه، فطريقة الاعتقال قريباً من احتفال يوجد فيه هو شخصياً إجراء لن يوافق عليه (حفتر) لو كان يعلمه، ولم يكن هناك بد إلا التعامل بهذه الطريقة لكسب الوقت وإطلاق سراحه بعد هدوء الأوضاع”.

ويعتبر القمودي أن تعامل قيادة حفتر مع حادثة الدرسي يشير إلى “ارتباك يعكس فقدان حفتر السيطرة على قرارات أولاده. فبالعودة إلى حادث البرغثي ومحاصرة بيته ومقتله، كان حفتر حينها في زيارة معلنة لدولة النيجر عندما قطع زيارته ورجع إلى بنغازي، وبدأ سلسلة الإجراءات المرتبكة فوراً بقطع الاتصالات عن المدينة وشنّ حملة أمنية لوأد غضب قبيلة البراغثة، ومن ثم تقديم رواية غريبة مفادها أن البرغثي يقود حملة زعزعة لاستقرار المدينة برفقة خلايا نائمة، ثم إرجاء الكشف عن مصير البرغثي لعدة أشهر قبل أن يبلغ ذويه بأنه توفي وتم دفنه”، مضيفاً أنّ “في حادثة الدرسي يبدو حفتر سارع لتدارك الأمر لإنقاذ أوضاعه بتأمين حياة الدرسي قبل أن يطلق سراحه بعد عدة أشهر في هدوء”.

ويشير القمودي إلى وصوله إلى ما يفيد بوجود قلق لدى قيادة حفتر حول إمكانية أن يفتح حادث الدرسي ملف الإخفاء القسري واختطاف المعارضين الذي يضم شخصيات بارزة كسهام سرقيوة. وقال: “هناك أصداء لهذا القلق في أوساط كبار مسؤولي مديرية أمن بنغازي بعد أن استدعى حفتر أكثر من مسؤول أمني لمناقشة ملف السجون”، مشيراً إلى أن حفتر “في وضع حرج، فالحادث وقع بعد مغادرة الدرسي لاحتفال عسكري حضره حفتر نفسه، ولذا فالأمر نذير سيّئ بالنسبة إليه لأنه يسقط شعارات المؤسسة العسكرية النظامية التي يقودها والأمن الذي حققته في بنغازي”.

واهتمت بمصير النائب الليبي إبراهيم الدرسي منظمات دولية، منها البعثة الأممية في ليبيا التي دعت السلطات في شرق البلاد إلى تحديد مكان الدرسي وتأمين إطلاق سراحه فوراً، وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، التي طالبت بضرورة فتح تحقيق شامل عن ملابسات الحادث ومحاسبة المسؤولين عنه.

إقرأ الخبر ايضا في المصدر من >> المشهد الليبي