اجمل ما قرأت عن الدستور


تدل التجارب الانسانية ، علي ان أفضل الدساتير ، تقيدت بما يلي :-

أولا... ان الدساتير ، بما لها من إجلال ، لا توضع ؛ في الأصل في ظروف " التوتر والصراع " فالدستور ؛ في جوهره " عقد اجتماعي " تبرمه جماعة بشرية بارادتها الحرة ، يقوم علي الرضا الغير منقوص ، وهو من حيث فلسفته ، الاداة المثالية لتنظيم الصراع .

إن واحدة من روائع الجهد البشري في التطور نحو العقلانية ، كانت اختراع فكرة القانون الذي بلغت ذروتها في القرن الثامن عشر ، وبظهور اول دستور حديث مكتوب ، ومنذ ذلك التاريخ ؛ انعطفت الانسانية انعطافا هائلا نحو الاستقرار وخفض الصراع .

ولكي يحقق الدستور غاياته ، فان الامم المتحضرة ، تذهب الي صناعة دساتيرها في ظروف الهدوء والاستقرار ، ففي هذة الظروف ، يولد التوافق وتتحرر الإرادة ويبلغ الحماس الوطني ذروته ويولد الدستور باعتباره تعبيرا عن التوازنات الطبيعية في المجتمع وانعكاسا للرغبة في العيش المشترك ، اما حين يوضع الدستور في ظروف الصراعات المريرة والحروب الأهلية المدمرة ، فانه يتحول الي اداة مغالبة ووسيلة ارغام ؛ تفرضهاالجماعات الاقوي ؛ ليس للحفاظ علي توازنات المجتمع ؛ بل تكريس انتصار زائف ، وهي بذلك تؤجج الصراع ، ويتحول الدستور المفروض ، الي ظاهرة ظلم وليس أداة للتوافق .

ولا يوجد في تاريخ الدول والدساتير ، مثال واحد ؛ لدستور استطاع ان يعيش ؛ اذا تَخَلَّق في ظروف التوتر ، وعلي العكس فأن الدساتير الراسخة ، هي التي صنعت في ظروف الهدوء والزهو الوطني بعد استقلال مجيد او اتحاد أمة مقهورة، فقد انتظرت الولايات المتحدة ، عقد كامل ، بعد اعلان استقلالها لتكتب دستورها ؛ وعمره اليوم يزيد عن قرنين ، اما فرنسا ، وهي " مختبر الدساتير " فقد سقطت كل دساتيرها في وقت سريع ، بسبب وضعها في ظروف الصراع ، ولم يعش منها سوي دستور الجمهورية الخامسة ،الذي صنعته قيادة عظيمة بعد انحسار الأزمة .

إن وضع دستور ليبيا في هذة الظروف المليئة بالتوترات والصراعات العنيفة ، هو ؛ في ذاته ؛خطأ فادح ، نجم عن سذاجة سياسية ، تصورت أن الدساتير ؛ مفاتيح ألية لبناء المجتمع الديمقراطي ؛ دون اهتمام بأول شروط الديمقراطية ؛ وهو شيوع ثقافتها ووفره مناخها ، وحين يوضع الدستور ؛ في هذة الظروف ، فأنه سيكون تكريسا للمغالبة وإخلالا جسيما بالتوازنات الطبيعية للمجتمع ، مما يؤجج الصراع ويفتح أبواب جديدة للعنف...

منقول ...