ليبيا والأزمة الروسية-الأوكرانية

حالة العبث السياسي السائدة في ليبيا والارتخاء الواضح للعصابات المسمّاة مجازاً بالـ "فرقاء" إزاء ما يجري في شرق أوروبا لا يمكن أن يكون سوى حالة غباء وقصر نظر مدمّرة. فليبيا في ظروفها الراهنة ستكون في طليعة البلدان الأشدّ تأثرا بتداعيات النزاع الروسي الأوكراني سواء فيما يتعلق بمجال الطاقة أو مجال الآمن والاستقرار أو بمجال الغذاء.

يحاول البعض من السطحيين في ليبيا الاستسلام لشعور الاستفادة المالية من اضطراب إمدادات الطاقة والعقوبات المفروضة على موسكو، دون أن يلتفتوا إلى الآثار الحقيقية لحشر الروسي في الزاوية.. فإقليم المتوسط، وليبيا البلد الأكثر امتدادا على ضفته الجنوبية، هي في الحقيقة يمكن أن تتحول في غضون ساعات إلى ساحة نزاع بين الأمريكيين والروس، باعتبار حالة المناكفة والتسابق والاحتكاك بين القوتين العظميين في العالم من أجل مراكز النفوذ.

إن الأوضاع الليبية المضطربة وهشاشة التفاهمات الأمنية والعسكرية التي وضعت حدّا مؤقتا للصراع بين شقّي فبراير قد تتحول إلى بركان متفجر ممتد إلى بلدان الجوار، فما يزال الأمريكيون والروس يتمتعون بمجال فسيح للحركة والمناورة داخل ليبيا، ولديهم وكلاؤهم وحلفاؤهم الذين بإمكانهم التلاعب بأية منجزات سياسية غير محصّنة بالإجماع المطلوب. فقد تحتدم الأوضاع على نحو غير متوقع بين القوّتين ليصبح استغلال مساحة ليبيا ومياهها أمرا محتوما، وربما تحول الأمر إلى نزاع متجدد.

إن الافتقار إلى الرؤية قد يحوّل ليبيا إلى مستعمرة أمريكية أو روسية وشعبها إلى رعايا أو لاجئين بسبب سوء قراءة النخبة للتطورات وانشغالها بالمناكفة السياسية البعيدة كل البُعد عن هموم المواطن ومعاناته وتطلعاته في الاستقرار والسلام. فليس هذا الأوان أوان إهدار الوقت والمرور بجانب الفرص التاريخية التي يمكن أن تساعد الوطن على التعامل مع التحديات والمتغيرات الجديدة أو المرتقبة التي يمكن أن تنشأ عن التفاعلات الراهنة خصوصا على ساحة الصراع الرئيسية داخل أوكرانيا.

ولا بدّ أن نعي أخيرا أن أهمية الضفة الجنوبية للبحر المتوسط وخصوصا منطقة شمال أفريقيا لم تكن أبدا خارج معارك التنافس والسيطرة والتموضع طوال تاريخها. وشكّلت عامل جذب وأطماع لا نفهم كيف تسمح النخب الليبية لنفسها بتجاهلها أو ملازمة وضع العطالة الشاملة والتّلهّي بالمعارك الجهوية والقبلية على حساب المشاكل المصيرية والتحديات الكبرى. وللحديث بقية

محمد الأمين محمد.