الجنوب الأعزل في مرمى الكورونا..مغالطة أم استهتار؟

2c3d6ac9-f390-445a-b4a9-04527cb362ac.jpg

.

التطورات المخيفة التي شهدتها الحالة الوبائية في مناطق عدة من ليبيا وسبها بالخصوص، وتصاعد أعداد الإصابات يعتبر أمرا طبيعيا في ظل الانشغال العام بحالة الحرب العاصفة بالبلد.. لكن هذا لا يعني أن المقاربة العامة للتعامل مع الوباء في الشطرين الشرقي والغربي على ما يُرام.. أو أنها ترقى إلى أن تُسمى مقاربة أو خطة من الأصل..

في ظل حالة التسيّب التي اتسم بها التعاطي مع الوافدين والعائدين في مدن كمصراته وطرابلس، وحالة الإهمال والغفلة إزاء خطورة منطقة مفتوحة وشاسعة مثل سبها، لا بدّ أن تتطور الأمور على النحو الذي نراه اليوم.. بل إني أعتقد أن الأمر سيكون صادما أكثر لو تم توسيع نطاق العينات ومضاعفة أعداد الفحوص..ويبدو أن هنالك اتجاه لترك الأعداد منخفضة للإيحاء بقلّة عدد الإصابات وعدم إخافة الناس؟

وفي ظل عدم التمكن من الاستفادة من التجارب والخطط التي اعتمدتها الدول في محاصرة الوباء وتقليص فرص العدوى، لا بدّ أن نشهد تصاعدا كالذي نراه اليوم.. ومأتى الإخفاق في تقديري، الذي ربما يشاطرني فيه كثيرون، هو غياب السلطة الحقيقية التي تمارس الضبط والرقابة وتنفيذ الإجراءات.. فالإجراءات المتعلقة بالتباعد الجسدي غير مفعّلة على النحو المطلوب.. أما ما يسمى بالحجر الذاتي، وهو إلزام الحالات المشكوك في إصابتها أو العائدة من بلدان موبوءة بالبقاء في بيوتها وعدم التواصل مع عوائلها وأقاربها، فهي وهمٌ كبير، وربما أدّت إلى كارثة، لأن المواطنين ببساطة لا يلتزمون بهذا.. ولأن البيئة الاجتماعية الليبية ليست بيئة تباعد أو تقيّد أو خوف من المخاطرة!! وهذا يُعيدنا إلى دور الدولة.. فلو كانت الدولة قوية والسلطة المركزية فعالة وقادرة لاستطاعت تفعيل الحجر الصحي الإجباري وتطبيقه على الجميع بدل ترك الأمر إلى المجالس المحلية المحدودة السلطة والامكانيات أو إلى فروع هيئة مكافحة الوباء ذات الكفاءة المحدودة، والتي تتفاوت في التجهيز والقدرات البشرية والإمكانيات اللوجستية..

وبالمحصلة، فإننا إزاء عيوب رئيسية هامة وخطيرة قد تؤدي إلى تطور فائق للحالة الوبائية باتجاه انتشار للعدوى يخرج بالوباء عن السيطرة مما سيؤدي إلى تزايد الحالات الخطيرة التي تحتاج إلى الإنعاش بما يفوق أعداد أجهزة التنفس الصناعي المتاحة، وهذا سيتسبب في وضعية غير محمودة، لا قدّر الله..
وإزاء وضعية كهذه، وفي ظل عدم نجاح إجراء الحجر الصحي الشامل، فإن هنالك حاجة ملحّة إلى الدخول في مدة حجر إضافية مشدّدة تشمل المدن، وإغلاق كامل للمناطق الموبوءة.. ولا بدّ أن يتزامن هذا مع تنظيم حملة واسعة لإجراء الاختبارات السريعة لضمان منع حدوث المزيد من حالات العدوى ونقل كافة المصابين إلى الحجز الصحي الإجباري..

إن الإجراءات الحقيقية التي من شأنها أن تضمن حماية المجتمع لا يمكن أن تنجح في بيئة حرب واقتتال يُنتهك فيها الحجر الصحي ويُرمى فيها عرض الحائط بإجراءات التباعد والتوقّي.. ولا يمكن لبلد منقسم مشتت الموارد أن ينجح في مقاوم جائحة أعجزت دول عظمى يتساقط فيها البشر كالذباب.. الأموال الليبية التي تُصرف إلى المرتزقة وأمراء الحرب والعصابات كان يفترض أن تُوجّه إلى حماية الليبيين بدل قتلهم، وإلى محاصرة الوباء ومقاومته بدل تكديس السلاح والذخائر..