دولة سنغافورة المعجزة..؟

شعوب تصنع الحياة : سنغافورة

*************************

السيدة حليمة يعقوب إمراة سنغافورية مسلمة متدينة من أصول هندية من ناحية والدها، ومالاوية من ناحية أمها، وزوجها ماليزي من أصل يمني(محمد عبد الله الحبشي)، وتبلغ  من العمر 65 سنة وهي الرئيس الثامن المنتخب في تاريخ سنغافورة الحديثة منذ منتصف سبتمبر 2017، هذه السيدة تحكم سنغافورة المتعددة الأعراق والديانات والتي يشكل البوذيين فيها أغلبية بنسبة 33% من مجمل السكان، في حين لا يتجاوز عدد المسلمين فيها سدس السكان بنسبة 14.6% من السكان خلف البوذيين والمسيحيين اللذين يشكلان علي التوالي (33% ، 18%)، أي أكثر من نصف السكان.

سنغافورة البلد الصغير الذي يعيش فيه ستة ملايين نسمة في رقعة جغرافية لا تتجاوز 710 كم²، أي أقل قليلا من مساحة البحرين (أصغر دولة عربية من حيث المساحة)،هذه المساحة تعادل 92% فقط من مساحة مملكة البحرين.

- مساحة الجزائر تعادل 3429 ضعف مساحة سنغافورة.

- مساحة ليبيا تعادل 2428 ضعف مساحة سنغافورة.

- مساحة موريتانيا تعادل 1478 ضعف مساحة سنغافورة.

- مساحة مصر تعادل 1424 ضعف مساحة سنغافورة.

- مساحة تونس تعادل 234 ضعف مساحة سنغافورة.

ومع هذا فإن الدخل القومي لدولة سنغافورة التي لا نفط لديها ولا موارد طبيعية، قارب أربعة مائة مليار دولار أمريكي في العام 2018، وهو ما يتجاوز ويفوق الدخل القومي لجميع الدول العربية(بإستثناء السعودية)، بل إن الدخل القومي لسنغافورة التي لا يتعدي سكانها ستة ملايين نسمة يساوي 1,2 بالنسبة للدخل القومي لدول المغرب العربي مجتمعة!

الدخل القومي لسنغافورة يعادل دخل 11 دولة عربية مجتمعة، بما فيهم ثلاث دول مغاربية هي( ليبيا وتونس وموريتانيا)! 

ويتراوح متوسط دخل الفرد السنوي في سنغافورة من 68 – 85 ألف دولار أمريكي.

تمتلك سنغافورة إحتياطات نقدية تبلغ تريليونين من الدولار الامريكية!

سنغافورة تعد رابع أهم مركز مالي في العالم  ومدينة عالمية تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي. ويعد مرفأ سنغافورة خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط. وفي مؤشر جودة الحياة التي تنشره "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" في مجلة "الايكونوميست"، حصلت سنغافورة على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم. وسنغافورة تعد الاقتصاد الأسرع تعافي في العالم بعد الأزمة المالية 2008 -2009.

تمتلك سنغافورة أفضل جواز سفر في العالم، حيث يدخل هذا الجواز إلي 195 دولة دون تأشيرة (أي 90% من دول العالم).

ويعد مطار شانغي سنغافورة الأفضل عالميا منذ سنوات وحتى الآن!( يستقل سنويا 40 مليون مسافر). وتعتزم سنغافورة هذا العام افتتاح أغرب مطار في العالم، إذ يحتوي على غابة وأكبر شلال داخلي في العالم بتكلفة بلغت 951 مليون جنيه إسترليني( أي ما يعادل1,2 مليار دولار أمريكي).

يوجد بسنغافورة أجمل فندق في العالم Hotel Marina Bay Sands (فندق مارينا باي ساندز سنغافورة).

وتعد سنغافورة من الدول الأكثر أمانا في العالم، طيلة العقود الثلاثة الأخيرة!

يتراوح عدد السواح الذين يزورون سنغافورة سنويا بين 15 – 20 مليون سائح.

كيف أمكن لهذه الدولة الصغيرة، أن تحقق هذه المعجزة الاقتصادية ؟!، وهي التي عرفت حروبا أهلية طاحنة، ومجاعات في مطلع النصف الثاني من القرن المنصرم، حيث  حصلت علي الاستقلال عن المملكة المتحدة في31 أغسطس 1963، ودخلت في اتحاد مع ماليزيا في 16 سبتمبر 1963، لكنها سرعان ما انفصلت عن الاتحاد الماليزي بعد أقل من سنتين في 9 أغسطس 1965، وواجهت صعوبات اقتصادية جمة.

وجدت سنغافورة نفسها في مواجهة الفقر وقلة الموارد وضعف البنية التحتية والمؤسسات وغياب التاريخ والأساطير المؤسسة والجامعة للشعب السنغافوري المتعدد الأعراق والديانات، فكان رهان الآباء المؤسسين لدولة سنغافورة الحديثة علي الحداثة والتقدم في ظل الدولة المدنية، ولعبت النخبة الثقافية دورا بارزا في هذا الصدد.

سنغافورة برهانها علي الإنسان حققت أحد أبرز وأكفأ النظم التعليمية والإدارية في العالم. ومهدت الطريق لديمقراطية هادئة وانتقال سلس وسلمي للسلطة، وتعد مدن سنغافورة من أجمل وأنظف مدن العالم قاطبة.

سر تجربة إنتقال سنغافورة من الاحتراب والاقتتال، والفقر وقلة الموارد إلي دولة متقدمة ومضرب المثل في الرقي والتقدم والرفاه الاقتصادي يكمن في أمور ثلاث هي:

1. الدولة المدنية : التي تعني دولة المواطنة الحقة، فالكل مواطنين سواسية أمام القانون.

2. ثقافة التعايش السلمي: تعني تقبل الاختلاف والتغاير، وإحترام الرأي الآخر.

3. الكفاءة: جعلت سنغافورة من معيار الكفاءة والجدارة معيار للاستحقاق وتبوأ المناصب وشغل الوظائف.

استثمرت سنغافورة في الإنسان، فكان نظامها التعليمي ولعقود الأبرز والأفضل عالميا. وأحدثت قطيعة مع ماضي الاستبداد بالانتقال الهادئ والسلس إلي الديمقراطية دون كلفة تذكر، وبعد أن كانت البطالة مستشرية بمعدلات قياسية تم القضاء عليها عبر ديناميكيات اقتصادية فعالة، جعلتها الأقل عالميا( أقل من 1% حاليا).

تجربة سنغافورة نموذج يحتذي به، للنهوض والتقدم، وللانتقال من عالم الحروب والفقر وقلة الموارد إلي الدولة المدنية الحديثة.

في جميع تجارب الانتقال الناجحة كانت الدولة المدنية (التي تعني القطيعة مع الاستبداد) وثقافة التعايش( التي تعني تقبل الاختلاف وإحترام الرأي الآخر) والاستثمار في العقول( أي تعليم فعال) هي القواسم المشتركة التي جمعت وميزت هذه التجارب.

منقول