من العهد الملكي إلى فبراير.. تبو ليبيا وقصة معاناة مستمرة

safe_image.jpg

مقال منقول…

مع اقتراب الذكرى الثامنة للثورة الليبية التي أطاحت بنظام معمر القذافي، لا يزال المشهد متأزما على أكثر من صعيد، وفي الوقت الذي تسعى فيه الأطراف الأممية لإيجاد حل سياسي تطفو على السطح توترات قديمة متجددة، من ذلك قضية قبائل التبو.

 

وشكّل إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر منتصف يناير/كانون الأول الماضي عن انطلاق عملية عسكرية في الجنوب الليبي بهدف ما أسماه “تنظيف الجنوب من المجموعات الإرهابية والمجرمين”، آخر حلقة من التطورات المتسارعة.

 

وتدور هذه التطورات بين قوات حفتر وقبائل التبو التي تتهم قوات حفتر باستهدافها وتطهيرها عرقيا، مطالبة البعثة الأممية والمجتمع الدولي بالتدخل لوقف ما وصفتها بالإبادة الجماعية للتبو في الجنوب الليبي.

 

ولا يعد ما تصرح به قبائل التبو بشأن ما تعتبره تطهيرا عرقيا أمرا حديثا، فقد عانت هذه القبائل خلال فترة حكم القذافي وحتى عقب الإطاحة بنظامه.

 

قبائل التبو.. ازدواج الهوية

 

لا تُعرف أصول التبو على نحو دقيق وإن كان من المؤكد أنهم سكنوا منطقة الساحل الأفريقي منذ القدم، وقد تحدث عنهم المؤرخ اليوناني هيرودوت ونسبهم إلى المجموعة الزنجية الإثيوبية أو الحبشية، وحدَّد مواطن سكنهم بما هي عليه الآن، أي من فزان في ليبيا مرورا بتشاد وصولا إلى النيجر، مع امتدادات محدودة في الدول المجاورة خاصة السودان وأفريقيا الوسطى.

 

وينتمي التبو إلى المجموعة الزنجية الأفريقية وهو ما يشهد به ملبسهم وتقاليدهم وطريقة عيشهم، وإن كان تأثرهم بالرافد العربي المتاخم لهم من الشمال لا تُخطئه العين، وتُعبر عنه عمائمهم البيضاء وتعلقهم بالإبل وبالصحراء وحياة البدو.

 

وقد شبه بعض المؤرخين الفرنسيين “التبو” في ازدواج هويتهم بقبائل “آيت باعمران” في جنوب المغرب الذين يعتبرهم جيرانهم في الجنوب (من عرب بني حسان وبني معقل) من الأمازيغ، في حين يعتبرهم الأمازيغ عربا. وكذلك التبو، يُصنفهم جوارهم الزنجي عربا وفي الآن نفسه يُصنفهم العرب زنوجا.

 

كان التبو في ليبيا دوما شعبا منفصلا عن المجموعات الأخرى، وعانوا في ظل النظام الملكي الليبي، رغم أن الملك إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي في انقلاب 1969، كان يعتبرهم من حرّاسه الشخصيين، وقد وُضِعت قوانين جديدة للجنسية في العهد الملكي فرضت حيازة سجلات عائلية مدوّنة.

 

وبحسب ورقة بحثية نشرها مركز كارينغي للشرق الأوسط، فإن وضع التبو في عهد القذافي ازداد سوءا، فقد أقصاهم من مشروعه العروبي، واستخدمهم بيادق في خلافه مع تشاد على قطاع أوزو الغني باليورانيوم، والذي يضم جبال تبسيتي.

 

وخلال حربه في أوزو، منح القذافي الجنسية للآلاف من أبناء التبو، في حين جنّد آخرين في حربه مع تشاد. ثم بعد هزيمته، وقيام محكمة العدل الدولية بمنح قطاع أوزو إلى تشاد في العام 1994، تخلّى عن التبو فسحب منهم الجنسية وحرمهم من الحصول على الوظائف والسفر، ولم يستثمر في التعليم والرعاية الطبية في مناطقهم.

 

وفي تقرير نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أفادت جمعية الشعوب المهددة بوجود “تمييز هائل” ضد أقلية التبو، وردا على ذلك تمرّد التبو في 2008 فسحقهم جيش القذافي في مناطقهم بجنوب البلاد وخاصة منطقة الكفرة.

 

ورغم المقاومة والشجب العام فإن نظام القذافي استمر في اضطهاده لأقلية التبو في ليبيا. وبدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2009، بدأت الحكومة برنامجا للترحيل الإجباري وهدم منازل التبو، تاركة الكثير منهم بلا مأوى، في حين تم اعتقال العشرات من المحتجين على هدم منازلهم.

 

التبو.. الثورة وما بعدها

 

ومع اندلاع الثورة الليبية على نظام القذافي في فبراير/شباط 2011، لم يكن مفاجئا التحاق التبو وانخراطهم على نطاق واسع في قتال النظام حتى أسقِط من سدة الحكم، رغم إغراءات القذافي ووعوده بمنحهم الجنسية.

 

وقد باءت هذه المحاولات بالفشل وانضم عناصر التبو الذين انشقّوا عن الجيش إلى نظرائهم من قبيلة الزوية العربية، ووضعوا العداء المتبادل بينهم جانبا لبعض الوقت.

 

وبحسب ما ذكرته الورقة البحثية ذاتها التي أعدها فريدريك ويري فإنه عند انتهاء الحرب كان التبو قد سيطروا على مساحة شاسعة من المعابر الحدودية والحقول النفطية والاحتياطيات المائية ومستودعات الأسلحة.

 

غير أن هذا “النعيم” لم يدم طويلا رغم اعتراف الحكومة الانتقالية الجديدة بسيطرة التبو على الحدود الليبية التشادية والليبية السودانية عن طريق قائد مليشيا التبو والزعيم المعارض المخضرم، عيسى عبد المجيد منصور، فقد كانت السلطات الليبية غير مستعدة لمعالجة تظلماتهم بشأن الحصول على الجنسية.

 

وفي انتخابات 2012 عمد مديرو الانتخابات من قبيلة الزوية الذين يعملون مع المجلس الوطني الانتقالي إلى شطب عدد كبير من ناخبي التبو من السجلات بذريعة أن جنسيتهم مزوّرة، مما شكّل شرارة الخلاف بين الطرفين ليتوسع لخلاف مسلح.

 

وفضلا عن خلافهم مع قبيلة الزوية، دخل التبو أيضا في مواجهات عنيفة مع بعض جيرانهم من القبائل مثل قبيلة أولاد سليمان العربية وقبائل الطوارق الأمازيغية.

 

التبو وحفتر.. تقارب فخلاف

 

اعتمد حفتر منذ إطلاق “عملية الكرامة” منتصف عام 2014 على الدعم القبلي، حيث شكّل أبناء القبائل في شرق ليبيا خزانا بشريا لحروبه المتتالية في بنغازي وأجدابيا والهلال النفطي ودرنة، فضلا عن تحالفه مع قوى قبلية في جنوب البلاد، كقبائل التبو وأولاد سليمان.

 

وشارك التبو في حرب حفتر في بنغازي، لكن هذا التحالف القوي الذي جمع الطرفين انفرط عقده في مايو/أيار الماضي بسبب تحالف حفتر مع قبائل عربية في الجنوب معادية للتبو بسبب خلافات تاريخية، من بينهم قبيلة أولاد سليمان والقذاذفة.

 

ومنذ منتصف الشهر الماضي تصاعد العداء بينهما، وبحسب تصريحات رئيس المجلس الاجتماعي لمرزق محمد لينو، فإن هدف العملية العسكرية التي أطلقتها قوات الكرامة في الجنوب هو القضاء على قبيلة التبو وكسر شوكتها.

 

من جهته، دان التجمع الوطني التباوي ما تقوم به غرفة عمليات الجنوب التابعة لقوات حفتر لاحتوائها على قبائل متخاصمة معهم، وتقديمها الدعم العسكري واللوجستي لبعض القبائل على حساب أخرى.

 

غير أن الناشط السياسي موسى تيهوساي اعتبر أن مسألة التطهير العرقي أو الإبادة التي يتحدث عنها التبو فيها نوع من المبالغة، مؤكدا أن هناك جزءا من الحقيقة، وأن الأمر هو بالدرجة الأولى تخوفات بسبب وجود عناصر بجانب قوات حفتر من قبائل لها عداءات قبلية قديمة مع التبو.