منقول ….
الفصل الخاص عن ليبيا في مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كمرون بعنوان : ليبيا و الربيع العربي
(1)
لم اتوقع قدومها، و لا اعتقد ان أحد توقع ذلك.بالطبع كانت هناك اشارات.اوراق مجلس الأمن القومي التي استلمتها تحدثت عن بطالة على نطاق واسع و تضخم في اسعار الغداء في شمال افريقيا. البرقيات الدبلوماسية من السفراء حكت عن انتشار الإعلام الاجتماعي و توسع في الفئة العمرية الشبابية.لكن لا أحد اتوقع ان تلك الأشياء كانت تعمل على اشعال شرارة التمرد في أربعة عشر دولة في المنطقة.او ان قواتنا ستتورط بعمق في واحدة منهن.
تقول الحكمة التقليدية ان الربيع العربي كان فشلا محرجا.دولة واحدة فقط أدركت الثورة، هى تونس، قد حافظت على ديمقراطيتها الجديدة.التركة في أي مكان آخر كانت حرب اهلية، تطرف ، عنف و أسوء من ذلك.
بالنسبة للحماس البريطاني للانتفاضات ، يذهب التنظير، إلى أن ذلك كان خطأ لا ينبغي أن يتكرر و ان تدخلنا في ليبيا كان مظلل.
لا أتفق مع هذا الراي. نحن نخطئ، و اعترف انني بالفعل ارتكبت بعض الأخطاء . و لكنني أقف مع قراراتي.ما فعلناه كان صحيحا.
ببساطة انه من المبكر جدا الحديث عن المخرجات الحقيقية للربيع العربي.رحلتنا نحن الخاصة من حكم الفرد إلى الديمقراطية اخدت قرون و تضمنت سفك دماء و تطرف و حرب أهلية و بدايات كثيرة خاطئة. لماذا ينبغي أن نتوقع أن تكون التحولات الحديثة من الديكتاتورية إلى الديمقراطية سلسة و غير مؤلمة.
المجال هنا لا يسمح بتوثيق كل التحولات و المنعطفات في الربيع العربي في كل دولة.و لكن سأحاول أن أغطي كل مرحلة من التدخل البريطاني، سأشرح لماذا أتخدت مثل تلك المواقف القوية في ذلك الهيجان و لماذا وضعت حياة بريطانيين على المحك في هذا التدخل.
بالعودة إلى أواخر 2010، أقدم بائع فواكه في قرية تونسية على حرق نفسه اعتراضا علي قسوة السلطات في التعامل مع الباعة. انتشرت أخبار موته على الانترنت فاندلعت مظاهرت ضد النظام القمعي. زين العابدين بن علي الذي حكم ثلاثة و عشرين سنة زور فيها الانتخابات و راقب الصحافة، عذب المعارضين و سجن الناس بدون محاكمة و نهب بلده، ذهب بعد ثمانية و عشرين يوما، لقد كان أمرا مثيرا.
لقد استلمت في أوائل يناير 2011 ملاحظات مفصلة من وزيري الخاص للشئون الخارجية جون كسون يقول فيها ان هذا الاحداث مؤشر لمشكلة أوسع تشمل المنطقة كلها.ان من مصلحتنا الوطنية على المدى البعيد ان تتحول هذه الدول إلى حكم القانون، و ليس الاختيار الأعمى بين الديكتاتورية أو التطرف. اصبح جون بعدها سفيرنا إلى مصر، و كانت مصر التالية حيث اشتعلت شرارة الثورة . الناس هناك مفتونون بما رأوا في تونس، و هم شاهدوه عامة على الانترنت، خرجوا للشوارع يطالبون ( خبز، حرية، عدالة اجتماعية ) من دكتاتورهم لمدة ثلاثين سنة؛ حسني مبارك.
كانت النصيحة الرسمية بالتروي حيث كان مبارك حليف في مكافحة الإرهاب و التطرف و تملك الشركات البريطانية مصالح اقتصادية مهمة في مصر و المنطقة. ملاحظة من FCO (مكتب الخارجية و الكومنولث) أشارت الى ان الحالة في مصر هى( أربعة من عشرة) حيث العشرة تعني سقوط النظام.
لقد اعتقدت انه من المناسب أن تنحاز بريطانيا مع من يريدون انتشار الديمقراطية و الحقوق و الحرية.فلو نحن، أحد أقدم الديمقراطيات في العالم، لم نستطع دعم أولئك الذين يطمحون للحرية التي نتمتع بها، فمن سيفعل ؟
وفوق ذلك فلقد تأثرت بالثورات المبكرة، عندما كنت في منتصف العشرينات، تحطم سور برلين و حررت دولا نفسها من قيود الشيوعية.لقد شاهدت( قبل) و (بعد) ماحصل لجزء كامل من قارة؛ كانت مقموعة فأصبحت حرة. لقد شعرت بتدفق للطاقة و الامل، لقد فهمت؛ فلم اعد مطلقا أخد تلك الأشياء على انها أمرا مفروغا منه.
و أكثر من ذلك، لم أقبل مطلقا جدلا فحواه ان بعض الناس غير قادرين على ممارسة الديمقراطية .نعم هناك تحديات مختلفة في دول مختلفة لكن الشغف بالحرية يشتعل في دواخلنا جميعا.سواء كنا في برلين او بنغازي.
الأكثر اهمية، ان السياسات المفتوحة و الحاضنة ( غير الاقصائية) ضرورية بسبب الضرر الذي تسببه البدائل الاخرى في المدى الطويل. تونس و مصر و سوريا، كلها كانت في تدهور نسبي قبل 2011، و هم حتى أسوء الان. و السبب ليس محاولات تغيير النموذج و لكن بسبب فشل تلك المحاولات. القادة( الرجال الأقوياء ) اللذين كانوا عونا لواشنطن و موسكو و لندن الحرب الباردة، تركوا بلادهم في فساد و سخط و فقر.
شعرت، عندما بدأت الانتفاضات، ان الأوضاع الراهنة لا يمكن الدفاع عنها، ببساطة لن يكون ممكنا او مرغوب به دعم هذة الأنظمة ضد شعوبها، فالضرر على دولهم و مصالحنا طويلة الأمد سيكون أعظم.
لكن بالطبع فكرت انه من المفيد محاولة استقرار الأوضاع ، و لو باظهار طريق افضل امام هؤلاء الديكتاتوريين، لو استطعنا . اتصلت بمبارك يوم 29 يناير متوسلا له اظهار بعض المرونة لو أراد الحفاظ على منصبه، التمس منه ان لا يستخدم القمع العنيف. كان من الممكن أن ينجا لو عرض انتخابات رئاسية. عوضا عن ذلك، قطع الإنترنت و ارسل البلطجية إلى الشوارع لمهاجمة المتظاهرين. الف شخص قتلوا تقريبا.
يوم 2 فبراير وقفت خارج 10 داوننغ ستريت مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي كان في لندن من أجل لقاء ثنائي ، ادليت بتصريح دعمت فيه طموحات الشعب المصري في مستقبل أكثر ديمقراطية و حقوق أكبر و استنكرت العنف البغيض الذي عاملتهم به حكومتهم
في هذه الأثناء كان وليم هيج( وزير الخارجية ) يزور الأردن و اليمن و الامارات العربية المتحدة و البحرين. كان أول سياسي يزور تونس بعد سقوط بن علي و اصبح آخر وزير خارجية غربي يزور بشار الأسد في سوريا.
بريطانيا وقفت بحزم عكس الدول الاوربية الاخرى، فرنسا تعثرت في الطريق الخطأ عندما ساند ساركوزي بن علي و تراجعت ألمانيا بغياب كبير لميركل عن النقاش و اتخدت امريكا بداية خاطئة أيضا. عندما اتصلت باوباما حول الحالة في مصر، أخبرني انه ( يرغب ) في ذهاب مبارك. كان جهازي الايباد على ركبتي اقرأ آخر تقارير للبي بي سي عن المنطقة، قلت له " لكن المبعوث الخاص الذي ارسلته قال توا ان مبارك يجب أن يكون جزء من مستقبل مصر" ، نادرا ما واجهت أوباما الغاضب، و لكن عندما فعلت كان السبب انه كان مصدوما. استمر في هدوئه و تكلم ببطء أكثر من الطبيعي، كان من الواضح أنه يدخن.
مع 11 فبراير ذهب مبارك، أعلنت انها لحظة لفرصةثمينة.طاف المتظاهرون، الذين الهمهم ما حدث في مصر، شوارع الأردن و سوريا و اليمن و البحرين و بشكل مهم ليبيا موطن الديكتاتور المستبد لمدة اثنين و أربعين عاما، العقيد معمر القذافي.
كنت على وشك الذهاب إلى المنطقة في رحلة مخطط لها مسبقا لزيارة الخليج نصحني بعض من فريقي بعدم اتمامها. كانت الحالة هشة، أسئلة ستثار حول علاقتنا بالملكيات الاتوقراطية في دول الخليج و حول مبيعات السلاح أيضا.
وجهة نظري كانت بسيطة، انت لا تستطع التأثير في الاحداث مالم تكن معد للولوج فيها. قلت لهم انا ذاهب.
بدأت الرحلة بزيارة لمصر يوم 21 فبراير.زرت ميدان التحرير المركز الملحمي للثورة. اول قائد أجنبي يفعل ذلك.تكلمت مع بعض المتظاهرين بما فيهم فتى متحمس لون وجهه بعلم مصر. كان الشعور ان المكان كان على مشارف التغيير.
سفيرنا دومينك سكوت رتب سلسلة من اللقاءات مع نشطاء الديمقراطية و المدونين و اتفقنا مسبقا انه لا ينبغي أن تشمل ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين أو المنظمات الإسلامية ذات العلاقة. ابعد ما يكونوا عن المبادرة بالانتفاضات، كان الإسلاميين قد تفاجؤا بها و هم يحاولون تحويلها لصالحهم. لا ينبغي أن نعاونهم في ذلك.
بالطبع عندما حاول المتطرفون خطف المظاهرات، تم اسكاتهم، فالشعب المصري يرفض كلا من السلطات الفاسدة و التطرف.
الشباب، الناس الملهمين اللذين التقيتهم هناك قالوا هذا كثيرا. أنهم يعرفون انه سيتم نصحنا بان البديل عن القائد الرجل القوي هو التطرف و الفوضى، لكنهم يعتقدون في هذا الوقت ان الأمر مختلفا.
اخبروني بأنهم يريدون فرص عمل، صوت و فرصة لاختيار مستقبلهم بعيدا عن الفساد. هذا الكلمة الأخيرة كانت ربما الأكثر اهمية.نظام مبارك كان فاسدا للنخاع. لم يكن الأمر ببساطة أخد بعض الأموال للاغتناء الشخصي بل على مستوى رهن بلد كامل للخلف.بعضها خبئ في لندن، عقارات و حسابات مصرفية، فورا شكلت فريق عمل حكومي و ارسلت مدعي عام من مكتب كراون بروسكيوشن سيرفس إلى سفارة القاهرة لمدة عامين و قمنا بتجميد 80 مليون أصول خاصة بمبارك و عائلته و حاشيته.
اليوم التالي كنت في الكويت مع جون ميجر لإحياء ذكرى مرور عشرين سنة على قيام القوات البريطانية بالمساعدة في طرد غزاة صدام حسين و إعادة السيادة لهذه الدولة الصغيرة.كنت ساتحدث إلى الجمعية الوطنية الكويتية حول تصوري للأزمة الحالية