دعوات إخضاع الحسابات والنفقات الليبية إلى الشفافية الأممية والتحقيق الدولي بين الكيد السياسي والمزايدة: هل هنالك حاجة حقيقية لهذا الأمر أم أنه لا يخلو من توظيف؟
ما تتوجه بعض الأطراف المعروفة على الساحة السياسية من دعوات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بوضع اليد على الأموال الليبية وتفتيش الحسابات المالية وقوائم النفقات والعجز والعائدات وكل ما يدخل ضمن التسيير المالي والإداري للعمليات الاقتصادية والمالية منذ سقوط الدولة إلى اليوم، يمكن أن نتفهمه إذا صدر عن أشخاص غير مدركين لما في الإشراف والتفتيش ووضع اليد من مخاطر.. وتكون دعوتهم حينها نابعة عن أمرين، إما حقد السياسي أعمى ورغبة في الخلاص من خصوم سياسيين وتشويههم بشتى الطرق الأخلاقية وغير الأخلاقية، وإما سذاجة سياسية لا حدود لها تتجاوز الحدود المألوفة للانتحار الشخصي.. حيث أن الامر بمثابة دعوة صريحة إلى الوصاية العلنية.. فليس بعد الوصاية غير الحماية، وهي مصطلح مرادف للاحتلال اشتهر اواخر القرن التاسع عشر.. لا يمكنك أن تقبل أن يتوجه عاقل أو شخص مسئول بمثل هذه الدعوة إلى مجتمع دولي سئم الوضع الليبي وأصبح يبحث له عن حل بأي ثمن.. وإلى قوى دولية متعطشة لأسباب الهيمنة والسيطرة تصاعدت مناكفاتها وبلغت أصداء تنافسها كل المحافل في شتى أنحاء الأرض..
هذا الطلب الذي أعتبره عجيبا، وقد عبرت عن ذلك في حينه، يعكس إحباطا وألماً لواقع البلد.. هذا مفهوم.. وهو كذلك صرخة مغلوب على أمره يرى سيطرة المليشيات على مقدرات بلده وينظر إلى استبدادها بأموال الشعب وتبديدها لها.. هذا مفهوم أيضا..
لكن هل ينبغي أن يصل الامر حدّ الدعوة العلنية والتجييش والمغالطة للناس كي يوقعوا على عرائض ويشتركوا في حملات لجلب الاحتلال؟
وأعتقد أن هذا الموضوع يعد إمعاناً في التفريط في السيادة الوطنية ، والتسليم بأن ليبيا يجب أن تكون تحت الوصاية الأجنبية ... وهو العجز عن المواجهة والجبن عن السعي من أجل الحلول..
نشعر كلنا بالمرارة، ونأسف لحال وطننا ونرثي له.. لكننا لن نتصرف كما فعل هؤلاء.. ولا نفعل أيضا كما فعل المجلس الرئاسي الذي استبق دعوات هؤلاء بدافع الخوف او المكر.. وهو بدوره اعلن عجزه وضعفه.. نشعر كلنا بالألم لكن لا ينبغي أن يصل بنا الأمر إلى هذا المستوى من تحقير النفس والتقليل من شأن بلدنا.. غفي ليبيا من الخبراء في مثل هذه الأمور ما يمكن من إنجاز هذه المهمة أفضل من الأجانب .. والأمر أيضاً يحتاج الي معرفة واقعنا الليبي والذي يدركه الخبراء الوطنيين أكثر من الأجانب ، الذين حتماً سيذهبون الي التدقيق في المستندات فقط ...
لقد رحب المجلس الرئاسي بالدعوة المشبوهة منذ اطلاقها ربما لأنها قد كانت تحمل طوق النجاة بالنسبة إليه ..فهو لديه تجاوزاته أخطاءه وخطاياه.. وهو الذي ارتعد لمضامين تقرير دويوان المحاسبة!! فلا عجب في أن يكون اول المرحبين بالامر.. ومن الطبيعي أن يفعل ذلك، ما دامت دعوته سوف تحوّله من متهم مشتبه به إلى شاهد ملك!!
لا تنسى هنا أيضا أن مجلس الأمن او أي جسم سيتولى تنفيذ عمليات الاشراف والتدقيق سيرضى بمجرد التشخيص والتوصيف.. قطعا لا.. فسيصبح من صلاحياته طرح سياسات بديلة.. وكذلك سوف تُطلَقُ يدُهُ لتعيث في أمولنا فسادا وتبديدا باسم القانون الدولي وحدود التكليف هذه المرة.. سيكون بمثابة بول بريمر اقتصادي ومالي.. سيجيش الموظفين ويؤسس لك دولة داخل الدولة تمثل مصالح الآخرين وتنفذ تعليماتهم بالحرف وترعى مصالحهم التي ستصبح مصالح شعبنا أمامها مجرد شعارات.. سوف تنبثق لجان ولجان وأجسام وهيئات تلتهم ثروتنا وعوائد نفطنا واصول الدولة وارصدتها بدون أن نستطيع النطق ببنت شفة..
لقد أثبتت مجريات الازمة وتطورات الموقف ببلدنا منذ أعوام أن الأمم المتحدة ( الدول المتنفذة ... أمريكا ، بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا ) .. تدير الأزمة في ليبيا ولا تعمل علي حلها ، ومع الأسف الشديد من ينفذ أوامر هذه الإدارة ليبيون ... أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر..
هل سنظل تُبّعًا وعاجرين لما تبقى من اعمارنا؟ هل نترك بلدنا فريسة للنهب والهيمنة؟ هل نترك الجهلة والساذجين والمتواطئين يقودون قرارنا ويعبثون بدفة قيادة سفينتنا الغارقة أصلا؟
إن أوّل المهام هي وقف النزيف والذهاب إلى الاستحقاقات التي تضمن لنا الحل الجذري.. أعني الانتخابات.. ولنسخّر كافة طاقاتنا لضمان انعقاد الانتخابات في وقتها وبأي ثمن، كي نستطيع البناء على نتائج الاستحقاق ونؤسس لدولة يحكمها القانون ولا يتسلط عليها اللصوص والمتآمرون.. ما نحتاجه هو انتخابات تنبثق عنها مخرجات قانونية ومؤسسات يقودها وطنيون يحترمون القانون ويخضعون إليه ويدافعون عن موارد البلد وحق شعبنا وأجيالنا.. نحن بحاجة إلى مثل هؤلاء وليس إلى مستكرشين يريدون طمس آثار جرائمهم وإتلاف ملفات فسادهم وتواطئهم وتفتيت مستندات اعتماداتهم الوهمية في "فرّامات" الأمم المتحدة ودول الاحتلال الجديد..
مقال منقول..