في بيتنا مطلقة...؟
كنت في الخامسة عشرة من عمري ، عندما كانت اختي المتزوجة ( شاتراه )....(اسم شاتراه بلغتنا التباوية هي للكناية عن الستر) والتى هى أم لطفلين تأتي دائما غاضبة إلى بيت العائلة هذه الحالة تسمى بلغتنا (تبراه كاداه )...وهى كناية عن زعل الزوجة من زوجها عندما تأتي لبيت ابيها و تشتكي من ظلم زوجها . كان ابي دائم القلق على أختى “شاتراه”.. ولا يدخر جهدا في الحديث معها ونصحها ، الا ان امي غالبا ما كانت تلتزم الصمت بوجود ابي، ولكنها تسر إليها الحديث دائما على انفراد وكأنها تتوجس خيفة من ان يسمعها احد ؟ و غالبا ما كانت أمي تنهرني عندما احاول ان استرق السمع خلسة بشقاوة الاطفال وهى تحدث أختي ؟ فهم عقلي الصغير حينها ان أمرا جلل سيقع لاختي ، وان نصائح ابى كانت اضعف من ان تجد الطريق إلى عقل اختي “شاتراه “ او تشوش على همسات وغمزات امي ورسائلها المبطنة لاختي، شعرت حينها أن الحديث النصح فى العلن غير حديث التحريض في السر ، وان النصح والإرشاد قد لا يجد طريقا الى القلب عندما يكون ذلك القلب عامرا بالكراهية, وقد فاض بغضا بحياة كلها مشاكل ؟
لم أنم مبكرا كالعادة تلك الليلة , وانتظرت حتى عاد أبي من أداء صلاة العشاء وساعدت امي في تقديم وجبة العشاء له, كانت نظرات ابي وكأنها توحي بالسؤال عن أختي " شاتراه "...(ما ان كانت رجعت الى بيتها ام لازالت بالبيت ؟)... وصدق ظني عندما سئل أبي عن اختي فقالت أمي انها بالداخل , فرأيت نظرات الانزعاج على وجه أبي حيث دفع بصفرة العشاء جانبا بقوة ونهض غاضبا وانطلق نحو الداخل , ثواني قليلة حتى سمعت صوته يجلجل فى أنحاء البيت معاتبا اختي "شاتراه"...على عدم حرصها على حياتها الزوجية , وعدم اهتمامها بمستقبل أطفالها , أثناء ذلك اتخذ الجميع الوضع الصامت فى احدى اركان الغرف المجاورة.
أمي هى الأخرى اتخذت الوضع الصامت ولكن بدت عليها علامات عدم الرضى ولكنها , لم تعلق على شيء في حضرة أبي ؟
لازلت فى غرفتي اراقب الوضع عن كثب وقد تركت باب غرفتي مشرعا , عن قصد لأسمع كل ما يدور,خرج أبي مسرعا نحو المربوعة " غرفة استقبال الضيوف ".... و نظراته توحي وكانه يبحث عن شىء ما…. لحظات قليلة حتى سمعت صوته بقوة وهو يتكلم مع أحد ما , وكعادتي حاولت ان استرق السمع حتى فهمت حديث أبي ,حيث فهمت أنه كان يكلم زوج اختي " شاتراه"...؟
وبعد إنهاء مكالمته , قدم بقوة نحو غرفة اختي" شاتراه"... وطلب منها ان تنهض ليوصلها الى بيتها , علامات عدم الرضى كانت ظاهره على امي واختي "شاتراه"... ولكن لا أحد منهما اعترض ؟ لم يمضي وقت طويل حتى اصطحب اختى و أطفالها وكانت غاضبة و رافقها الى بيتها؟
مضى أسبوع على الحادثة , وانا كلما دق جرس البيت اهرع لفتحه وانا اتخيل ان اختي شاتراه واطفالها بالباب, حتى جاء ذلك اليوم المشؤم عندما عدت من المدرسة , لاجد كل قريباتي وصديقات اختي " شاتراه " بالبيت حيث بدأ على الجميع علامات الفرح والابتهاج , وسألت إحداهن قبل ان اسأل امي , فقالت لي... " زغرتي كانك تعرفي ...اختك أطلقت"...وانطلقت نحو اختي ابحث عنها في ثنايا الغرف حتى اجدها محاطة بكومة من صاحباتها وصديقاتها , ونظرت اليها خلسة بنظرات شفقة واسف وعدم رضى ,قبل ان تبادلني هى بنظرات تبدو مليئة بفرحة , ولكني لم اصدقها؟
لم يتحمل قلبي الصغير هذا الموقف , فأسرعت لاحظن واضم اطفال اختى وانا ابكي ,في محاولة يائسة للمواساة بفقدهم لحياة اسرية مثالية؟
انطلق الجميع بالبيت بما فيهم أمي لاقامة وليمة بالمناسبة . بينما كان جرس البيت لا ينقطع عن النداء ,والضيوف من النسوة لا ينقطعن من الزيارة , وصوت اسطوانة الموسيقى هى الأخرى تعلو صوت الجميع , البعض يغنين والبعض يرقصن, والبعض يتهامزنا بالكلام , كنت أراقب الوضع عن قرب, وبنظرة الى الحضور لاحظت ان اغلب الحضور كان من العوانس اللاتي تأخرن في الزواج , أو من المطلقات القدامى حيث انضمت أختي " شاتراه"...الى ناديهن , او من تلك النسوة اللائي فقدن الأمل فى الزواج فاتخذنا الحجاب وسيلة صبر على ما حمله الزمن عليهن من مصائب الزمن , أما القلة المتبقية من النسوة الحضور فكانن من المتزوجات القدامى من أقاربنا واللاتي يعانين من حالة لامبالاة مزمنة فى كل ما يتعلق بأمور الزواج والطلاق؟
لحظات وقد شرفت الحظور " هاتيمي داصواه " ...اسم هاتيمي داصواه , اسم معروف وهي مغنية مشهورة تغني في أفراح الزواج والطلاق , ولها قدرة غريبة على إيجاد الكلمات المناسبة لأي مناسبة ؟ وبعد الانتهاء من وليمة الغداء توسطت " هاتيمي داصواه " دائرة نسائية من الحضور وبدأت غناء "الهميي".. "وغناء الهيمي هو غناء نسوي من تراث التبو يجمع مجموعة من النساء فى حلقة دائرية , وتقوم احداهن بغناء بكلمات ثمتل جمل قصيرة ويقمنا البقية بترديدها, وتقوم احداهن من حين الى اخر بالقفز وسطهن واصدار صوت غريب من اعماق حنجرتها لزمن لا يتجاوز الدقيقتين ثم تعود للصفوف " لتخرج اخرى لتقوم بنفس الدور؟" تم تطبيق هذا السيناريو في بيتنا فى غرفة أختى في دائرة قطرها لا يتجاوز المتران والجمع من حولها من النساء يرددن فى حماس منقطع النظير كل ما تقوله " هاتيمي داصواه ؟
اختي " شاتراه" كانت من اكثر المتحمسات للغناء وترديد العبارات المتواليه والتى فهمت من بعضها كلماتها مترجمة للعربية " ان الراجل اللي سيبك ...سيببه " ..وانت تستاهلي خير منه"...لا اعلم ان كانت اختى " شاتراه " وهي تردد هذه العبارات وراء المغنية " هاتيمي داصواه " مقتنعة بما تقول ام لا؟
الكل كان خارج وعيه , وكأن الشيطان كان يغويهم بالمزيد من الضلال, فالمشهد لا تستطيع الكلمات والجمل وصفه ,عبثا حاولت الفرار الى غرفتي لانال قسطا من الراحة , فصوت المسجل , وصوت " هاتيمي داصواه " وصوت الهيمي و القفز , كان اقوى من اي سكون قد يجلب الراحة...
قصة بقلم ...هرداه آدم