النعاج التي جاءت تواسي كنتاهيي...

.قصة تباوية قصيرة للكاتب محمد ماديكادايمي

الجزء الثاني…

أطلت الشمس مشرقة بأشعتها الذهبية صباح  ذلك اليوم من أيام  الصيف الحارة  والتي تسمى في لغتنا التباوية  " بوروا"... أشرقت بهدوء  من خلف  كثبان رملية بارزة  من الناحية الشرقية  من القرية ، لا شيء يتحرك في أرجاء تلك القرية الهادئة  في الصباح الباكر والتي تتناثر فيها  البيوت عن بعد  ،وكأنها صنعت وبنيت  عن قصد… إلا نسمات الهواء  ….و لا صوت يكسر هدوء  الصبح وهو يتنفس بهواء صيفي عليل ،إلا أصوات  شقشقة العصافير وصياح الديكة،  ورغاء الأغنام التي  ترتفع من خلف  الحظائر  والتي تسمى  بلغتنا " كارا"...  والتي تقع   خلف كل بيت تقريبا  . " كارا"... أو حظيرة الاغنام مكان مزعج و غير مريح للانسان  تنبعث منها روائح روث الماشية و بقايا الطعام الفاسد ويتطاير فوقه الذباب ,لذى فهي تسيج وتحاط   بأعواد جريد النخيل الجافة مع بعضا من جذوع الأشجار القديمة .اصوات رغاء الأغنام ، صياح الديكة، وشقشقة العصافير في الصباح الباكر تشكل سيمفونية موسيقية تطرب أذن  كل من يستيقظ باكرا   باحثا عن رزقه، وهو بمثابة  نداء  لبدء الحركة والنشاط  ليوم  جديد يفاجىء القرية  كل يوم قبل أن تشرق الشمس .

كنتاهي….  وكعادتها كل يوم تنهض باكرا ، كعادة كل أطفال القرية ، ففي تقاليد القرية النوم  الكثير  حتى تشرق الشمس عيب غير قابل للغفران في ثقافة  أهل البادية ، وقد تشكل حكما مسبقا لتقييم مستقبل أي طفل بأنه كسول ، وقد يصاحبه  هذا  الحكم المعيب  حتى يبلغ أشده، لذا  يحرص جل الأطفال على النهوض مبكرا  كل صباح لمساعدة ذويهم..

أم كنتاهي كانت قد نهضت مبكرا في ذاك اليوم  ، وأعدت إفطارا متواضعا لكنتاهي ، يتكون من كوب حليب ماعز ومشروب " هولي  ، وفطيرة "دوقا" وحبات تمر في كيس من مادة النايلون .وماء شرب في جرة بلاستيك مغلفة ومربوطة بكيس خشن لتحفظ برودة الماء اطول وقت ممكن.

انطلقت " كنتاهي" ناحية  حظيرة الأغنام… "كارا" …والتي تقع " خلف البيت على بعد أمتار  ، حيث كانت  الأغنام  على موعد وفي انتظارها  كالعادة ،استقبلتها  برغائها  بحرارة وكأنها  ترحب بها ،فتحت باب الحظيرة فانطلقت الأغنام خارجة بسرعة ، البعض منها تردد رغائها المفضل  دون انقطاع ، والبعض الآخر تقفز هنا وهناك وكأنها تعبر عن فرحة الحرية والخروج من الحظيرة،والبعض الآخر تبحث عما تأكله في الجوار .. أوصدت كنتاهي باب  الحظيرة.." كارا ".. بأحكام وانطلقت ، صوب المرعى بعيدا عن القرية بينما الأغنام تتبعها وقد هدأت من رغائها، وسارت ورائها كأنها في مسيرة خلاص..

المرعى يقع على بعد مسير ساعة تقريبا من القرية ،وهو مكان ذو أشجار كثيفة من الطلح والأثل والنخيل والأعشاب الصحراوية منها الديس، والذي يحيط ببحيرة ماء مالحة وسط غابة من أشجار النخيل الغير متناسقة ,وعند نهاية المرعى من الجهة الغربية كثبان رملية عالية تصلح للتزحلق , يرتادها الأطفال للعب كلما ملوا من الوحدة ..


يتبع فى الحلقة الأخيرة …

"كيف خدع الذئب كنتاهي وهاجم غنماتها …. "