-----
كان بقايا الطليان الفاشست يملكون المزارع الكبرى في بلادنا منذ أن تسلّموها من حكومة بلادهم الاستعمارية ضمن مشروع بالبو الاستيطاني ( بعد عام 1934م.) حتى استعادها منهم الشعب الليبي عام 1970م. و كانت أغلب أراضي قريتنا الوادعة القره بوللي ضمن ذاك المشروع حيث استوطنت بها عائلات إيطالية كثيرة و اعتمد هؤلاء المستوطنون على العمالة المحلية من الفقراء الليبيين مقابل أجور زهيدة في غياب فرص العمل بالمنطقة حيث أضطر كثير من الليبيين للعمل الموسمي في مزارع الطليان لجنى ثمار الزيتون أو تقليم الأشجار أو للعمل في معاصر الزيت الخاصة بهذه المزارع و كانت فترات العمل تبدأ بُعيد شروق الشمس و تنتهي عند غروبها و يتخلل ذلك فترة راحة قصيرة لتناول وجبة غذاء متواضع يعده العمال بأنفسهم و نقل لي شيخ محل ثقة من شيوخ قريتنا أن أحد ملّاك هذه المزارع لاحظ أن واحداً من العمال الليبيين في معصرة الزيتون الخاصة بمزرعته لا يشارك زملاءه في وجباتهم بل يراه في كل مرة يتناول وجبة (الزمّيتة) لوحده فاستغرب ذلك و استفسر من أحد المقربين منه : Perche Omar mangia da solo? لماذا عمر يأكل لوحده ؟ فإجابه لأننا نحن نستخدم الزيت من المعصرة و هو يرى أن ذلك حرام فيعد وجبته بالماء فقط ( شاعتة) فناداه الإيطالي و قال له :Omar tu hai una bottiglia di olio regalo ogni tanto per la Zummita. : يا عمر لديك قنينة زيت للزميتة هدية ( ريقالو) في كل فترة ، و منذ ذلك اليوم صار عمر يأكل زمّيتة ( بزيت حلال) حتى استعاد الليبيون أملاكهم و منّ الله عليه حيث انتفع بمزرعة كبيرة و صار زيتونها مُلكاً له و زيتها حلالا و لم يكن عمر أو رفاقه يتوقعون أن الطليان سيغادرون البلاد أو أن الأرض التي استشهد من أجلها أباؤهم ستعود لهم يوماً لكن إرادة الله و عزيمة رجال الوطن البواسل و تحرّي اللقمة الحلال ( و لو كانت عبّود زميتة) هي من جعلت أحفاد عمر قريتنا و أحفاد آلاف آخرين يملكون المزارع ، فهل نجد اليوم من يشبه عمر في تحري لقمة الحلال و هل نجد ( طلياني) يحترم أمثال عمر و يمنحهم قنينة زيت حلال .
لا أظن ذلك ، بل ربما نجد فقط من يمنح الطليان براميل النفط !!!
-----
الزمّيتة : أكلة شعبية ليبية جافة تُعد من دقيق الشعير الذي يُحمّص قبل طحنه و يخلط الدقيق بقليل من الماء و يتم ترطيب الخليط بزيت الزيتون .
عبّود الزميتة: ما تجمعه اليد الواحدة من هذه الأكلة و تشكّله في قبضة الكف قبل تناوله ( أنظر الصورة المرفقة).
شاعتة : لفظة عاميّة ليبية تعني جافة أو خالية من الزيت .