الجمهـور

(1) السياسي يكذب، وهو يردد عبارات من نوعية: وعي الجماهير! الكاتب والشاعر يكذبان، وهما يقولان: القارئ ذكي! الاقتصادي يكذب، وهو يقول: الجمهور (المستهلك) لن يقبل...! الواعظ، والمغني، والإعلامي، واللاعب: جميعهم يكذبون على الجمهور، الكل يكذب على (الجمهور) وينافقه ويمنحه الصفات المجانية.. والجمهور يطربه هذا الأمر.. ويصدقه! (2) الجمهور يُصفّق للصوت الأعلى والأكثر حماسة، وينفّض عن الصوت الهادئ الحكيم.. يكفي أن يبدأ التصفيق ثلاثة في القاعة لتسمع بعد ثوان مئات الأيدي التي يرتطم بعضُها ببعضٍ.. يحدث هذا الأمر دون وعي: عدوى التصفيق تسري خلال ثوان بين الجموع.. وكذلك البكاء! هناك «شعور جماعي» تصنعه الجموع.. لا علاقة له بالعقل.. هو في الغالب فعل عاطفي. (3) كل جمهور - مهما كانت نوعيته وحجمه - يحتاج إلى قائد.. من يصعد إلى المنصة، ويقبض على المايكرفون، ويهدر بصوت عال: سيحصل على نصيبه من الأتباع والجمهور.. فهو يمتلك ثلاثة أرباع مواصفات القائد! (4) ما أسهل الحصول على التصفيق والمريدين: انظر ما الذي يريده الجمهور وقدِّمه له. اخطف الكلمات التي يحبونها من ألسنتهم، وأعد إنتاجها لهم. ابحث عن بيت شعر قديم يُشيد بهوية هذا (الجمهور) وعرقه المميّز! هات كل الصفات السيئة وألصقها بخصمهم (الطائفي/ القومي/ الأيدولوجي/ ....) وأقنعهم أن ثلاثة أرباع مشاكلهم وإخفاقاتهم وفشلهم سببها هذا الخصم. أنت هنا تجاوزت القيادة.. أنت في الطريق للحصول على لقب «بطل» الجماهير! (5) انظروا حولكم.. كل الأشياء التي - يقول الجمهور نفسه - إنها رديئة: من الذي يقوم بترويجها؟ هو (الجمهور) نفسه! هذه الأغنية الرديئة.. من الذي يستمع إليها ويقوم بترويجها؟.. الجمهور. هذا البرنامج الردئ الذي يقوم مقدمه بتفسير الأحلام وطرد الجان عبر البث المباشر.. من الذي جعله الأكثر مشاهدة؟.. الجمهور. هذا الكتاب الأقل من العادي.. من الذي جعله الأكثر مبيعاً؟.. من الذي اشتراه؟.. الجمهور. هذه التافهة، وهذا الأحمق.. من الذي جعلهم من المشاهير؟!.. الجمهور. انظروا حولكم: ستجدون حتى أكثر الأشياء رداءة وقبحاً لها مريدون وأتباع وجماهير تصفق لها وتدافع عنها. (6) وسط ضجة الجمهور تختفي أصوات الحكماء وتضيع الكلمات العاقلة! الجمهور: سيل جارف.. إمّا أن تجري معه، وتنجو.. وتلك خيانة! وإمّا أن تقف على ضفاف الهدير، وتلتزم الصمت إلى أن تنتهي الضجة.. وتلك سياسة! وإمّا أن تقف في وجهه (إن لم تمت ستُتّهم بالجنون)... وتلك شجاعة، وبعضهم يسميها: حماقة!  (7) الجمهور: قيد.. يظن ـ أنصاف المشاهير ـ أنها: إسوارة! (8) الجماهير ـ في الغالب ـ تعرف الخطأ، وتراه بشكل جيّد، وربما: ترفضه.. لكنها لن تدلك على الصواب! (9) لا تصدقوا العبارة التي تقول لكم: إن الجماهير أسقطت النخب! الحقيقة أن «بعض» الجمهور - بسبب نعمة التقنية - امتلك المنابر، وصار يوحى له أنه من النخبة. النخبة لا تسقط... بعض الجمهور ارتفع إليها! والتغيير، حتى وإن صنعته الجماهير.. ستأتي النُخب تالياً لتقطف ثماره، وتحدد اتجاهه. الجماهير: أدوات!