القاهرة - بوابة الوسط السبت 08 فبراير 2025, 01:50 مساء
اكتشف بحث دولي، بقيادة علماء فرنسيين، غبارا مشعا خطيرا يهب فوق منطقة تمتد من الجزائر إلى ليبيا وتونس ودول عربية وأوروبية أخرى، وهي الدراسة التي أثارت الكثير من القلق حول انتقال الملوثات ذات المنشأ البعيد، الذي يعود لعقود ماضية، وعواقبها على الصحة والبيئة.
وقد تمكن الفريق البحثي الدولي بجامعة «باريس-ساكلاي» الفرنسية من اكتشاف نظائر مشعة في غبار الصحراء الكبرى الذي سقط على أوروبا حسب تفاصيل البحث الذي حمل عنوان «التلوث الإشعاعي المنقول إلى أوروبا الغربية مع غبار الصحراء الكبرى»، المنشور في المجلة العلمية «ساينس أدفنسس».
وتحتوي رمال الصحراء الكبرى على نظائر مشعة من مواد تسمى «البلوتونيوم والسيزيوم»، التي يمكن انتقالها عبر الصحراء الأفريقية الكبرى إلى قارات أخرى.
غبار يجتاح أوروبا.. ما أسبابه؟
انطلقت الدراسة مما حدث بين عامي 2022 و2024 من اجتياح غبار من الصحراء الكبرى لمختلف البلدان الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا، مما لوّن السماء بألوان برتقالية وصفراء. وقد أدت الكمية الكبيرة من الجزيئات المتساقطة على المدن إلى تداول العديد من نظريات المؤامرة، على غرار وقوف «قوى مجهولة» وراءها، لنشر فيروسات قد تؤدي إلى إبادة مزعومة.
لكن العلماء الذين ركزوا على تركيبة الغبار وتحليل جزيئات رمال الصحراء التي سقطت على أوروبا في العام 2022، بعد جمعها بالتعاون مع العديد من العلماء والمواطنين، توصلوا إلى نتائج مغايرة. فمن بين أكثر من مئة عينة، جرى تحليل نحو خمسين عينة قادمة من ستة بلدان: النمسا، بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، لوكسمبورغ، وإسبانيا.
وكان الهدف هو الكشف عن النقل المحتمل للنظائر المشعة، مثل «السيزيوم-137 والبلوتونيوم -239 والبلوتونيوم -240»، التي جرى تحديدها من خلال التحقيقات المخبرية. وبالإضافة إلى التلوث المرتبط بالتجارب النووية الأميركية والسوفيتية في القرن الماضي، التي تعد أحد المصادر الرئيسية، أشارت الدراسة أيضا إلى عنصر محدد مرتبط بالتجارب النووية التي أجريت على وجه التحديد في صحراء الجزائر.
ما علاقة التجارب الفرنسية النووية في الجزائر؟
في رقان جنوب الجزائر أجرت فرنسا سلسلة من التجارب النووية بين 13 فبراير 1960 وأبريل 1961، واستمرت إلى 1966، أي بعد الاستقلال. وعلى الرغم من أن السلطات الفرنسية أكدت أن التفجيرات، التي أطلقت عليها تسميات «الجربوع الأزرق والأبيض والأحمر والأخضر»، ستكون آمنة، لأنها أجريت في أماكن غير مأهولة، فإن عشرات الآلاف من الناس عانوا مشاكل صحية خطيرة بسبب هذه الاختبارات من السرطان إلى العمى، بما في ذلك التشوهات الخلقية.
- غباره وصل ليبيا.. الجزائر تحيي ذكرى تفجير نووي فرنسي أقوى بأربع مرات من قنبلة هيروشيما
وكما كانت الحال مع التجارب في بلدان أخرى، فإن المخلفات الإشعاعية الناجمة عن الانفجارات الذرية التي أجريت في مركز التجارب العسكرية الصحراوي بالقرب من رقان ترسبت في البيئة، وبالتالي في غبار الصحراء الذي انتقل إلى البلدان المجاورة في ليبيا وتونس والمغرب وغيرها.
وبحسب حسابات العلماء، فإن هذه المنطقة الواقعة في شمال أفريقيا تصدر سنويا ما بين 400 و2200 تيراغرام من غبار الصحراء الكبرى، أو مئات الملايين من الأطنان، ويصل 12% منها إلى أوروبا، التي سجلت ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية.
وقال مؤلفو الدراسة إن المواد المشعة أو البصمة الفريدة للقنبلة النووية التي تتميز بها التجارب النووية الأميركية والسوفيتية مختلفة تماما عن البصمة النووية الفرنسية. مع ذلك، زعمت الدراسة أن التلوث الإشعاعي المكتشف في جميع العينات بأوروبا «لم يشكل خطرا على الصحة العامة».
خلاف جزائري - فرنسي حول ملف التجارب النووية
يعد ملف التجارب النووية الفرنسية من أبرز الملفات الخلافية بين الجزائر وباريس، حيث كشف الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية برينو باريلو، في وقت سابق، أن السلطات الفرنسية استعملت 42 ألف جزائري، من بينهم أسرى، «فئران تجارب» في تفجير العام 1960.
وذكر الباحث الفرنسي أن النفايات وبقايا التفجير تسببا في هلاك 60 ألف جزائري بين 1960 و1966. ومن أخطر ما كشف عنه أن فرنسا استعملت الجزائريين في التجارب النووية دون أن تقوم أصلا بأرشفة أو حفظ هويات الضحايا.
سبق أن أشار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى أن الجانب الفرنسي لا يبدي أي استعداد للمضي إلى الأمام في العلاقات الثنائية بدليل عدم قيام الفرنسيين بأي مبادرة لتطهير مواقع التجارب النووية في الجنوب الجزائري، أو تطهير «مواقع التجارب الكيماوية والبيولوجية في منطقة وادي الناموس التي استمرت إلى 1986»، حسب ما ذكره الجنرال المتقاعد رشيد بن يلس في كتابه.