الجنوب الليبي …حضارات وثروات…ومطامع؟
الجنوب الليبي.. حضارات وثروات ومطامع
....................
نقصد بالجنوب الليبي؛ فزان وجنوب برقة؛ أي المنطقة الواقعة جنوب الخط الرابط بين الشويرف - الجفرة أوجله – الجغبوب.
كان مركزا للتبادل التجاري والثقافي بين العمق الأفريقي وحضارات شمال ليبيا (الفينيقيين والإغريق والرومان)، ومنبع حضارات عريقة، منها الجرمنت الذين أسسوا من 900 ق.م إلى 500 ب.م حضارة مزدهرة، فهم أول من صنع العربات التي تجرها الخيول. وابتكروا تقنيات لإنتاج المعادن والزجاج والأحجار الكريمة. وابتكروا رموز الكتابة الليبية، وأنشأوا الفجارات التي تنقل الماء في مسارب تحت الأرض بعمق 40 متر لآلاف الكيلومترات، في نظام ري شبيه بالنهر الصناعي العظيم.
الجنوب ممر لتلاقح الثقافات العربية والإسلامية والأفريقية، الذي شكل الهوية الليبية العربية الإسلامية. لكونه أول ما افتتح المسلمون من أرض أفريقية جنوب الساحل.
وخلال القرنين 13 و14م، كانت جزءاً من إمبراطورية كانم، وفي 1550 نشأت فيها دولة أولاد امحمد، واستمرت حتى 1813، الجنوب لا يرضى الضيم، فالجرمنت قاوموا الإغريق، وأول من ثار ضد الرومان خلال القرن الميلادي الأول، التي أخمدها بالبوس كورنيليوس، وأولاد امحمد قاوموا الأتراك، وفي العصر الحديث استعصى الجنوب على الإيطاليين، وفي 2011 كان الجنوب آخر حصن يسقط في مواجهة الناتو.
الجنوب غني بثروات الغاز والنفط والماء العذب والتمور، والذهب واليورانيوم والحديد والطينات والسيليكا والجرانيت وأحجار الزينة، والأحجار الكريمة، أو ما تعرف بالفيروز الأخضر، وساعات شمس طويلة.
الجنوب غني بالمعالم السياحية مثل الرسومات الملونة المذهلة على الصخور البركانية قبل 12000 سنة، وما زالت كهوفه سجلا تاريخيا ـ ثقافيا في اكاكوس وكهف الجنون ووادي الكواكب والغابات الحجرية، وبه أهرامات "الحطية" والموميات بعمر 7000 سنة سبق تحنيطها الفراعنة بنحو 3000 عام، وبحيرة الدم وبحيرة «قبرعون» بحرارة مياهها وخمسة أضعاف ملوحة البحر، مما يجعلها مصدر شفاء لكثير من الأمراض.
يعاني الجنوب من مشاكل متعددة، معظمها ليس من صنعه. فقد تسببت خمس حروب بمقتل المئات، وانتهت دون رابح واضح، لأنه أحيانا تجد ولاءات متعددة في نفس القبيلة.
تنامى الاستياء بسبب الهجوم عام 2017 على قاعدة براك من قبل سرايا الدفاع عن بنغازي والقوة الثالثة الموالية لمصراتة، التي كان هدفها الضغط على رئيس تشاد، وزرع بذور الانقسام بين أهل الجنوب.
كما يعاني الجنوب من تهريب البشر والوقود والذهب والأسلحة والمخدرات، أهمها يمر عبر ممر سلفادور، الذي يربط النيجر والجزائر، ويعاني من تردي الخدمات.
الجنوب محل أطماع دولية، فإيطاليا تنظر إليه كحد لأوروبا في مواجهة المهاجرين من أفريقيا، وفرنسا تطمع باليورانيوم، وأمريكا تريده قاعدة لطرد الروس من أفريقيا، كما أنها تبحث عن بدائل لمصدر للعناصر النادرة؛ تحررها من تبعية الصين التي تستورد منها 80 % من حاجاتها، وهي 17 عنصرا تدخل في تصنيع الرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات)، المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية، مثل الألواح الشمسية والهواتف الذكية والحواسيب والسيارات والصواريخ والأسلحة النووية والأقمار الاصطناعية. أمريكا تسعى لحرمان بكين من الوصول إلى مخزون العناصر النادرة في ليبيا.
بعد 2011 تم تخريب المشاريع الزراعية مثل مشروع مكنوسة، والكفرة والسرير والاريل والدبوات والغريفه وسبها وغدوة وبرجوج والويغ وتهاله وغيرها.
وتم نهب وتهريب مصانع اللدائن والغازات الطبية والمواد الغذائية والدقيق والتمور والأعلاف وصوامع الغلال ومواد البناء والصناعات التقليدية والملابس والأحذية وغيرها.
هذا الوضع يفرض على القوة الوطنية أن تتبنى خطة شاملة لإنقاذ الجنوب أهم عناصرها ما يلي:
استتباب الأمن الذي بدونه لن يتحقق الاستقرار، فالاستقرار يعزز الاقتصاد، الذي يرسخ الأمن، إنها حلقة ثلاثية مترابطة.
تقليص شعور الجنوب بالعزلة، لأنه منطقة مجهولة المعالم بالنسبة لمعظم الذين يعيشون خارجها، حيث تركز الاهتمام على الصراعات في شمال البلاد ودون فهم عميق للجنوب.
مستقبل النفط بدأ ينتقل من الشمال إلى الجنوب، فعلى شركات النفط تنفيذ مشاريع تنموية بالجنوب، وأن تزيد من توظيف سكانه، وتقلص أسلوب الورديات على رحلات جوية من الشمال.
إحياء المشاريع الزراعية المتعثرة وإعادة تأهيل المصانع المتوقفة، وتسهيل تجارة العبور، وتنمية السياحة الصحراوية لما يمتلكه الجنوب من كنوز طبيعية.
مواجهة مخطط العدو للزج بالشباب في أتون حرب عالمية بين روسيا وامريكا، وغل يد الأجنبي عن التدخل السلبي في الجنوب، مما يحقق المصالحة.
مواجهة مخطط العدو لإفراغ الجنوب بالتضييق على الناس في أمنهم وقوتهم، وتوطين المهاجرين الأفارقة؛ وصولاً لزرع كيان زنجي رأسه في سرت يفصل شرق الوطن العربي عن مغربه.
مواجهة مثيري النعرات الانفصالية، لأن العروبة ليست عرقا، بل لغة وثقافة وهدفا مشتركا، الجنوب كان في السابق وسيظل عاملا موحدا لليبيا، وستظل هويته ليبية عربية إسلامية.