انقلاب جديد في مالي: الأسباب والتداعيات؟

1180-b58814af-2c93-4067-a673-59fa8ce3c5ef_16x9_1200x676.jpg

دعاء عويضة

باحثة في الشؤون الإفريقية - مصر

في ظلّ الأزمات المتتالية التي تشهدها دول منطقة الغرب والساحل الإفريقي؛ تطل أزمة جديدة على المشهد السياسي في إحدى تلك الدول. ففي مالي –الدولة التي لم تتعافَ بعدُ من تداعيات الانقلاب على الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا-؛ فاجأ قادة الجيش الجميع بانقلابٍ جديدٍ على رؤوس النظام هناك. فكيف هو الوضع في مالي؟ وما أسباب وأبعاد هذا الانقلاب؟ وماذا كانت ردود الفعل عليه؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها من خلال هذا التقرير.

الوضع الحالي في مالي:

في أغسطس 2020م، أطاح الجيش المالي بالرئيس كيتا، وأجبَره على الاستقالة. وتم تشكيل الحكومة المؤقتة بقيادة نداو وأوان في سبتمبر، وتم تكليف الإدارة بتنفيذ الإصلاحات وإجراء الانتخابات في نهاية المطاف. ينتمي العديد من القادة الرئيسيين للحكومة المؤقتة إلى الجيش، وقد عمل نداو نفسه ضابطًا في الجيش.

في مساء يوم الاثنين 24 مايو، احتجزت عناصر من جيش المجلس العسكري السابق -الذي قاد العملية الانقلابية ضد الرئيس المعزول إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020- كلًّا من الرئيس الانتقالي باه انداو ووزيره الأول مختار وان ووزير الدفاع الجديد، سليمان دوكوري، وتم اقتيادهم إلى ثكنة كاتي العسكرية، التي تبعد عن العاصمة باماكو 15 كيلومتر. واستقال الاثنان يوم الأربعاء أثناء وجودهما قيد الاعتقال، وتم إطلاق سراحهما فيما بعدُ. وقالت المحكمة: إنه يجب أن يشغل غويتا الفراغ الذي خلَّفته استقالة نداو "لقيادة العملية الانتقالية إلى نهايتها"، وحمل لقب "رئيس المرحلة الانتقالية، رئيس الدولة".[1]

أسباب الأزمة:

كانت هناك خلافات بين الرئيس ورئيس الحكومة من جهةٍ، والعسكر من جهة أخرى، متعلّقة بنية رئيس الحكومة لإبعاد بعض القادة الانقلابين من الحكومة الجديدة. أنصار الجيش يقولون بأنَّ سبب إبعاد هؤلاء القادة هو قربهم لروسيا، ويتّهمون رئيس الحكومة بأنه عميل لفرنسا، بينما في الجهة الأخرى يرى أنصار الرئيس ورئيس الحكومة بأن الأمر لا علاقة بذلك؛ فالعسكر يريدون فقط الحفاظ على مصالحهم.

وبينما يصف أنصار الرئيس الانتقالي الاحتجاز بمحاولة انقلابية؛ يصمّم المجلس العسكري السابق على كونها استشارة استجوابية.[2] وقال جويتا: إنه أطاح بالرئيس المؤقَّت ورئيس الوزراء لأنهما فشلا في التشاور معه بشأن ترشيح الحكومة الجديدة. وقال: إنَّ هذا ينتهك الميثاق الانتقالي -وهي وثيقة صاغها الجيش إلى حدٍّ كبيرٍ، والتي حدّدت المبادئ لعودة مالي إلى الحكم المدني-. وقال جويتا بأن قراراتهما أظهرت "نية واضحة لتخريب الانتقال". وقال: إن "هذا النوع من الخطوات يشهد على رغبة واضحة لدى الرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء بالسعي لخرق الميثاق الانتقالي".[3]

تداعيات الأزمة:

 يُعَدّ هذا الوضع محطَّة جديدة في الانقسام السياسي الذي تعيشه مالي منذ 2012م؛ حيث واجهت مالي العديد من الأزمات الأمنية والإنسانية، وتشنّ الجماعات الانفصالية والإسلامية تمرُّدًا مُسلّحًا ضد الحكومة منذ عام 2012م. وأدَّى القتال إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، وامتدَّ العنف إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. كما أدَّت القضايا المتعلقة بالمناخ إلى تعطيل الإمدادات الغذائية والقطاع الزراعي في البلاد، كما تسبَّبت جائحة كوفيد -19 في زيادة الضغط على نظام الرعاية الصحية المتهالك في مالي.[4]

أما الآن؛ فهناك خطر تعرُّض مالي للعقوبات الاقتصادية الشاملة، والتي من شأنها –حال حدوثها- أن تسبّب ضربةً شديدةً للسكان وتعطيلًا خطيرًا للاقتصاد الذي تضرَّر بالفعل من الأزمة الأمنية المستمرة منذ فترة طويلة والوباء. بالرغم من كون هناك شكّ في مدى فاعلية العقوبات الموجَّهة ضد عدد قليل من قادة الانقلاب في هذا الوضع. علاوةً على ذلك، فإذا كانت مالي محكومة مِن قِبَل نظام غير مُعتَرَف به دوليًّا على أنه شرعيّ، فقد يُعيق ذلك بشدة التعاون بين الجيش المالي والقوات العسكرية الفرنسية والأوروبية الأخرى المنتشرة الآن في البلاد في عمليات ضد الجماعات المسلحة.[5]

المواقف الداخلية والخارجية:

على المستوى الداخلي؛ لم تُصدر الأحزاب السياسية ولا حركات المجتمع المدني أيّ بيان رسميّ، ولكنَّ بعض الشباب الناشطين دعوا إلى الخروج لساحة الاستقلال لرفض ما يحدث، وإعلان دعم الشعب للرئيس ورئيس الحكومة.[6] أما على المستوى الخارجي؛ فقد أصدرت لجنة متابعة المرحلة الانتقالية في مالي المكونة من: الإيكواس، الاتحاد الإفريقي، البعثة الأممية في مالي، ودول عظمى كفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بيانًا بإدانتها لما يَحْدُث، وعن ضرورة الإفراج الفوريّ عن الرئيس ورئيس الحكومة، وعن دَعْمها الكامل للسلطات، وعن ترحيبها بمجيء مُمثّل منظمة غرب إفريقيا إلى البلاد. وفي بيان سباق أعلنت البعثة الأممية في البلاد عن إدانتها لما يحدث، وطالبت بسرعة الإفراج الفوري عن الرئيس ورئيس الحكومة، ومعاقبة المسؤولين.[7]

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل: إنَّ القادة الأوروبيين أدانوا بأشد العبارات اعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه. ووصف ماكرون الخطوة بأنها "غير مقبولة"، وحذَّر من أن الكتلة المكوَّنة من 27 عضوًا ستفرض "عقوبات محدَّدة الهدف" على المسؤولين. كما دعت بريطانيا إلى الإفراج الفوري عن قادة مالي في المرحلة الانتقالية، ووصفت اعتقالهم بأنه "مقلق للغاية".

وقال وزير إفريقيا البريطاني جيمس دودريدج في بيان: "تدين المملكة المتحدة اعتقال الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء آخرين في الحكومة في مالي، وندعو إلى الإفراج الفوري والآمن وغير المشروط عن جميع المعتقلين". وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: إنَّ اعتقال الزعيمين "يرسل إشارة كارثية إلى الشعب المالي والمجتمع الدولي".[8]

وطلب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي. وزار وفد من الهيئة الإقليمية الرئيسية لصنع القرار -المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)- مالي، وفقًا لبيان مشترك صادر عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأوروبية.[9]

وجاءت جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن مالي بناءً على طلب من فرنسا والنيجر وتونس وكينيا وسانت فنسنت وجزر غرينادين بعد أيام من إعلان الرجل القوي في مالي العقيد أسيمي غويتا أنه أطاح بالرئيس المؤقَّت للبلاد ورئيس الوزراء؛ لأنهم فشلوا في التشاور معه بشأن ترشيح حكومة جديدة. وأثارت الخطوة إدانة دولية واسعة وتهديدًا بفرض عقوبات؛ حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن باريس طلبت عقد اجتماع خاص لمجلس الأمن الدولي بعد "الانقلاب". ولم يكن هناك ما يشير إلى فرص اعتماد إعلان مشترك خلال هذا الاجتماع الطارئ.[10]

الأبعاد الدولية للصراع:

 يَعتبر البعض أن سحب الحكومة الانتقالية لمناصب الجيش الرئيسية من أركان الانقلاب، أتى بعد أخذها توجيهات من فرنسا بإقصائهم بسبب ولائهم لروسيا. خاصةً أن كلًّا من العقيد ساديو كمارا والعقيد كوني وآخرين تلقّوا تدريبهم العسكري في روسيا. ويحاولان هندسة المرحلة الانتقالية بطريقة تسمح لهما باستبدال الحليف الفرنسي بالحليف الروسي في مكافحة الجماعات المسلحة، ففرنسا بنظرهم جزء من المشكلة وليست الحل. ومن ثمَّ فإن عملية إقصاء كمارا وكوني، ردة فعل فرنسية على الموالين لروسيا في منطقة الساحل. بينما لا يزال الغموض يكتنف حقيقة أضلاع الطرفين في الأزمة الراهنة، والواقفين وراء التشكيلة الحكومية الجديدة؛ إلا أن التكالب على إفريقيا واضح في كلّ صراعات إفريقيا جنوب الصحراء بين فرنسا وحلفائها من طرف، وروسيا والصين من طرف ثانٍ، وتركيا من طرف ثالث. [11]

الخُلاصة:

يرى البعض أن تلك الخطوة لا تَرْقَى إلى مرتبة الانقلاب العسكري؛ إلا أنها من المؤكّد تَنصبّ في مناورة سياسية عالية وحرب إرادات بين الجيش من جهة، والرئاسة المدنية من جهة أخرى. وهو ما يؤكّد أن كل ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية من شرخ سياسي بين الجيش والرئيس الانتقالي ووزيره الأول، بمثابة صراع على الإرادات؛ لتهيئة البيئة المناسبة لما بعد المرحلة الانتقالية.

ويسعى الجيش من خلال هذه المناورة إلى تثبيت عناصره عبر التمسُّك بمناصب وزارية سيادية وحيوية في منظورها، وبالتالي تحقيق أهدافه عبرها على الصعيد الأمني، والترويج لمرشّحه فيما بعد على كونه الضامن لأمن جمهورية مالي الذي يُعتبر المعضلة الحقيقية للبلاد الذي فقد سيطرته على أكثر من ثلث أراضيه منذ 2012م. وهذا قد يُعَدّ مُؤشِّرًا لدخول مالي في نمط تسلسلي من الانقلابات، كلما حدث تغيير لا يصبُّ في صالح الجيش، وبما أن الجيش له الحقّ الشرعيّ لحمل السلاح، فسيسعون إلى توظيفه لحسم أيّ نزاع لصالحهم