الحملات الامنية نحو فزان؟

(الحملات الامنية نحو فزان)

وجع واحد لأزمنة متعددة.

.

على مدى عقود من الزمن وسبها وجه الخصوص والجنوب الغربي دائما على موعد مع الحملات واللجان الامنية القادمة من الشمال،

تأتي هذه الحملات عادة لحفظ الامن ومكافحة الجريمة والتهريب، عبر قوات وتشكيلات وإمكانيات وإمدادات خاصة، وبصلاحيات واسعة واستثنائية في اغلب الاحيان.

لم تعلن الدولة من خلال إدارتها الامنية لا قديما ولا حديثا، عن مخرجات تتعلق بنجاح أو فشل أي حملة أمنية، كبيرة كانت او صغيرة، واسعة او محدودة.

تاريخياً ومنذ القدم اتخذ مسار الحملات الامنية اتجاه جغرافي وحيد من البحر الى الصحراء، وغالباً ما اتخذت كل تلك الحملات نظام التأديب والعقاب الجماعي للسكان هناك، بدء بحملة (المكني) في عام 1811 الذي ارسله يوسف القرمانلي لجباية الضرائب فاحتل فزان ونصب نفسه حاكم عليها، وصولا الى حملات العصر الحديث التى صارت تتشكل في الغالب بمنطلقات اكثر تطوراً كرافد للسلم والامن مثل لجنة العقيد خيري خالد لضبط الاسلحة وحملة العقيد ميلود لمكافحة التهريب وحملة العميد حسن الكاسح ، وصولا مؤخراً لحملات كتائب بوحليقة والعقيد بوخمادة والقوة الثالثة،

تخلل وصاحب كل هذه الحملات تكليف العديد من مدراء الامن ورؤساء الامن الداخلي والبحث الجنائي وغيرهم من عناصر امنية مركزية او تربطها علاقات خاصة من نوع ما بالسلط المركزية، مما يطرح سؤال مفتوح لكل من يستطيع الاجابة،

هل المشكل الامني حله في القوة الامنية القادمة من الشمال ام ان مشكلته تكمن أساساً في هذا النوع من الحلول الطارئة؟ والتي تحولت مع الزمن الى حلول دائمة ،، وفاشلة.

وفي كل مرة تزداد معدلات الجريمة ويتسع مجال التهريب ويتفاقم المشكل الامني الى مستوى اسوء من ذي قبل.

امكانيات ضخمة واساطيل من المركبات ومخصصات مالية عالية لكل حملة لا يبقى منها شيء ذو قيمة في سبها عند انتهاء تلك المهام ورحيل تلك القوات الشرطية او العسكرية،

وكلما غادر مسئول ما أو آمر منطقة أو كتيبة، ترحل معه السيارات والصلاحيات وحتى عامل الخبرة الذي تزودت به تلك العناصر وهي تعود لمواقعها المركزية، محملة بالترقيات والاوسمة وتصنف بموجبه كخبراء في الشأن الامني الجنوبي،

وفي كل مرة ينتهي الامر ببقاء سبها وجاراتها على الدوام ضمن تصنيف أمنى متدني لا توجد اي امكانية لإصلاحه إلا بالتجهيز لحملة جديدة بعد فشل سابقاتها،

لقد سقط من حسابات الجميع بناء ومأسسة الحلول الامنية القارة مكانياً، على أسس ونظم سليمة ومستدامة، بل على العكس تحول الامر لسياسة نفعية للبعض وعقابية للبعض الاخر، وكل من يعص الاوامر ويرتكب مخالفة ما، يكون العقاب ارساله للمناطق الجنوبية،

ورغم وجود استثناءات لبعض الجهود المخلصة والصادقة على قلتها، الا اننا هنا لسنا بصدد تقييم شخوص بعينها وإنما لتعرية وهدم فكرة القوات الفدرالية المركزية التي لا تظهر الا لتذهب فقط لذات الوجهة وتنتج دائماً ذات الخيبة وتكرر ذات الفشل.

كنا كمجتمع محلي صغير منذ اواخر الثمانييات نسمع عن اسماء محدودة لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، ممن يزاولون ما يعرف بتجارة (الدخان) ، وربما كان مثل هذا العدد بتردد او خوف يفكر في الانخراط بهذا النشاط،

كانت مخاطر هذا العمل عالية وغالية الثمن، منها ما هو امني وقانوني وعقوبته السجن، وما هو اجتماعي وعقوبته النبذ، إلا ان بعض من عناصر تلك (الغزوات) الامنية كانوا للأسف رعاة وشركاء لهذه الممارسات، ووفروا لها الحماية والغطاء وانخفضت بناء على ذلك نسب المخاطر، وازدهر نشاط التهريب وتزايدت اعداد المهربين واختفت هياكل الشاحنات القديمة من رحبة الاليات ودبت في اوصالها الحياة، وصارت تمخر عباب الصحراء محملة ذهاباً بالتموين المدعوم، وعائدة بصناديق المارلبورو ، وبعد ظهور انظمة الجيل الرابع لتجارة العبور ، صارت تنقل لليبيا حبوب الترامادول والحشيش والخمور والمهاجرين غير الشرعيين.

مؤخرا وعلى خلفية انقسام حكومات البلد، صار الاستقطاب السياسي جنوباً يأخذ أيضاً شكل الحملات الامنية نحو فزان، والتي بدأت تأخذ طابع الصراع المباشر عبر أموال أو قوات تتجه إلى هناك بدواعي حفظ الامن، يقابلها انقسامات محلية فرضتها طبيعة الولاءات والمصالح ونظام القرابات الاجتماعي الذي صار محرك رئيسي للفوضى والعبث الذي احال حياة الناس هناك الى جحيم لا يطاق.

اذا ما قسنا المحصلات التراكمية لكل الجهود والممارسات التي صاحبت عمل قوات حفظ الامن الموفدة رسميا للجنوب او الوافدة من تلقاء نفسها منذ الباندة التي استدعتها (خود) زوجة احد سلاطين فزان ماقبل 4 قرون، لتأديب خصومها فانتهى الامر بمقتلها على يد قائد تلك الحملة نفسه،

فأننا لن نجد اكثر من نتيجة واحدة بصور مختلفة متمثلة اولا في نسب الفشل المتفاوت بين تلك الحملات وفي توسع نطاق الخلل الأمني، وتطابق لمتلازمات العسف والغدر، الفقر، البؤس، التشظى، والرشى وشراء الذمم، والحرب بالوكالة، والموت بالنيابة عن الغير، وتحول المنطقة الى ساحة خلفية لتصفية حسابات قوى متصارعة، تحتضن بعضها امام كاميرات التلفزيون وتمارس في نفس الوقت لعبة كسر العظم في الشارع (الواسع).

ان التنوع والتوازن الاجتماعي في فزان، هو احد ضمانات البقاء للجميع هناك، وكل محاولات التسلط الذاتي التي توهم وغاص وفشل فيها الكثير من الجهويين والقبليين او بتسليط طرف على اخر بدعم حكومي او دولي بالاتكاء على موروث الاركيولوجيا البائدة، هو بمثابة فيلم انتحار جماعي بمشاهد بطيئة تبدو غير واضحة للعيان، فالحياة في فزان لا تحتمل اكثر من خياران، إما تكاملية تكافلية او لا حياة من الأساس.

منقول…