طريق القذافي الذي أصبح خطراً , ….
من بحوث مركز المغرب العربى للبحوث…منقول
الطريق المعبد الذي أنشأه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والذي يمتد في الصحراء الليبية على طول 600 كيلومتر (400 ميل)، من الحدود بين ليبيا والنيجر إلى بلدة سبها، مخترقاً قلب الجنوب الليبي، كان يخضع لحراسة مشدّدة من جانب القوات الحدودية الليبية في عهد القذافي، غير أنه تحوّل بعد رحيله إلى أهم طريق آمن للمهرّبين بالرغم من أن القوة الأمنية التي كونتها قبيلة التبو الصحراوية شبه البدوية التي تتفرع بين ليبيا وتشاد والنيجر، تحاول جاهدة السيطرة على المنطقة منذ أن تخلّى عنها جنود معمر القذافي في عام 2011، ولكنها لم تتمكن من ذلك بسبب أنها ليست سوى قوة متطوعة وغير مدربة ولا تتقاضى أجراً من أحد. وبجانب حراسة بعض شباب التبو المتطوع للطريق، إلا أن معظم شباب التبو الآخرين يعملون في التهريب، وقد وجدوها مهنة وحيدة لتهريب الأفارقة الحالمين بالهجرة الشرعية إلى أوروبا حيث يقوم أبناء التبو بتهريبهم إلى الداخل الليبي، خاصة وأن التبو عانوا من التهميش الشديد في عهد القذافي وأيضاً في عهد الحكومتين اللتين تفرضان سيطرتهما حالياً على الداخل الليبي، وأبناء التبو يعتبرون المثلث الواقع بين ليبيا والنيجر وتشاد، وطناً خاصاً بهم، وقد عاش هذا الوطن الغريب بعيداً عن سيطرة مختلف حكومات البلدان الثلاث منذ عقود طويلة. وبجانب تهريب البشر، فإن تهريب البضائع والمخدرات عبر الحدود، ظلّ العمل الأكثر رواجاً في هذا الطريق، ومنه يتم توزيع المخدرات إلى مختلف دول القارة الأفريقية، ونقل كميات كبيرة منها عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، كما راجت على هذا الطريق عمليات تهريب الآثار والمعادن النفيسة كالذهب والماس وغيرهما. ولسهولة المرور على هذا الطريق، والانحراف إلى مخارج صحراوية قصيرة لتجنّب نقاط التفتيش، يجد المهربون فيه خيارهم الأفضل، برغم تفشّي الجريمة وبعضاً من عصابات النهب المسلح التي اقتطعت أجزاء من الطريق لفرض جبايات على الشاحنات التي تمرّ عليه، فليبيا بعد رحيل القذافي أصبحت سائبة تستطيع كل قبيلة من القبائل أن تفرض سيطرتها على المناطق التي تعيش فيها، وتحكمها بما تشاء من قوانين، خاصة وأن سلطة الدولة وهيبتها لا تغطي معظم التراب الليبي، وحتى الدولة نفسها تنقسم لحكومتين متضادتين إحداهما تحكم من طرابلس، والأخرى تحكم من طبرق. ولم تفلح التدخلات المتقطعة للمجتمع الدولي في إنقاذ هذا الطريق الحيوي الهام، فالخيام التي أنشأتها الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين، ظلّت خالية إلا من سكان قبائل تلك المناطق الذين استولوا على قسم كبير منها، والفساد والأهواء الشخصية والرشاوى مازالت تلعب الدور الأكبر والأهم في تأمين المهرّبين بل وحمايتهم. الجماعات الإرهابية لم تغفل عن هذا الطريق الممتد في الصحراء القاحلة، ولم تحاول الاستيلاء على أجزاء منه، ولكنها نسجت خيوط علاقات وطيدة مع القبائل التي تسكن حوله، لتجعل منه مهرباً محتملاً حال التضييق عليها في المناطق الغنية بالثروات المختلفة كالنفط، وأيضاً لتزويدها بالمقاتلين المحتملين من أبنائها، وأيضاً من الأفارقة المهاجرين اليائسين لتتحول تلقائياً تلك المناطق إلى أهم معاقل تجنيد الشباب والزج بهم في أتون الإرهاب. ويبقى طريق القذافي الذي تمّ تشييده قبل عقود ليربط بعض دول القارة الأفريقية ببعضها ضمن تركيز القذافي على أفريقيا، طريقاً يحمل لا لليبيا وحدها، ولكن لمختلف دول العالم، كل صور الدمار الاجتماعي، ويتحدّى أيضاً كل حملات المجتمع الدولي المناهضة للإرهاب.
مركز المغرب العربي للدراسات والبحوث6