على الرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية، فيروس "كوفيد – 19"، جائحة عالمية، واحتلال الفيروس صدارة العناوين الإعلامية والصحافية حول العالم، في ظل المخاوف العالمية من انتشاره بشكل أكبر في حدود لا يمكن السيطرة عليها، إلّا أنّه لا يزال بعيداً جداً عن أكبر جائحة في التاريخ والتي قتل فيها نحو 5% من سكان العالم. ففي عام 1918، اجتاح ما يسميه العلماء بالأنفلونزا الإسبانية دول العالم، مصيباً نحو نصف مليار شخص، قتل منهم ما بين 50 و100 مليون شخص، معظمهم من الشباب، حيث لقي 25 مليون شخص حتفهم بهذا الفيروس، خلال الـ 6 أشهر الأولى من انتشاره فقط، الأمر الذي جعل البعض يظنّه الطريق إلى نهاية العالم.وأثار هذا الفيروس الذي حقق أرقاماً قياسية في الانتشار، دهشة العلماء لحصده أرواح الشباب دوناً عن غيرهم من الأطفال وكبار السن، علماً أنّ الدراسات العلمية تشير بشكل عام إلى المسنين أكثر عرضة للإصابة بعدوى الفيروسات، وأقل مقاومة لها، وذلك لضعف أجهزتهم المناعية
جاءت وفيات الوباء الأكثر فتكاً في التاريخ على 3 موجات، سجلت الأولى التي امتدت حتى أيلول عام 1918 عدد وفيات منخفض نسبياً مقارنة مع الموجة الثانية والثالثة، لتسجل الموجة الثانية المعدلات الأعلى من الوفيات نسبة إلى الإصابة والتي كانت ممتدة من تشرين الأول إلى كانون الأول عام 1918، أما عن الموجة الثالثة فقد سجلت معدلات وفاة أقل من معدلات الموجة الثانية وأكبر من معدلات الموجة الأولى.
يرجع العلماء في دراسات حديثة الزيادة الملحوظة في الفترة الثانية إلى الظروف التي سمحت بانتشار سلالات الفيروس الأكثر فتكاً، حيث بقي الأشخاص الذين يعانون من إصابات خفيفة في منازلهم، في حين تكدَّس أولئك الذين يعانون من الحالات الشديدة في المستشفيات والمخيمات، الأمر الذي فتح المجال لانتشار العدوى بشكل أكبر.منشأ حيواني!يتشابه هذا الفيروس مع معظم الفيروسات والأوبئة التي شهدها العالم في التاريخ والتي منها "كورونا المستجد"، بكونه حيواني المنشأ تطور ليصبح قادرا على الانتشار ونقل العدوى من شخص لآخر، إلّا أنّ نسب الوفاة بالنسبة للمصابين كانت مرتفعة جداً مقارنة مع "كورونا" إذا بلغت في المتوسط ما يقارب الـ 20%فى المئة .
ما السر فيى ارتفاع عدد الوفيات؟!في الواقع اختلفت معدلات الوفيات بين دولة وأخرى، أو عرق وآخر، ففي الولايات المتحدة، كانت الوفيات مرتفعة بشكل خاص بين السكان الأميركيين الأصليين، ربما بسبب انخفاض معدلات التعرض لسلالات الإنفلونزا السابقة، حتى أنّ بعض المجتمعات هناك أبيدت بأكملها.أما عن الأسباب الأكثر منطقة فقد أوضحت الدراسات الحديثة أنّه من الممكن أن يكون تطور الالتهاب الرئوي البكتيري في الرئتين التي أضعفتها الإنفلونزا، هو السبب في هذه الأرقام المفجعة، إذ لم يكن في عام 1918 علاجات محددة مضادة للفيروسات متاحة خلال وباء الإنفلونزا.أيضاً يفسر بعض العلماء الأمر بأنّ الفيروس قاتل بشكل كبير لأنه يسبب ما يعرف بـ"عاصفة السيتوكين"، والتي تخرِّب نظام المناعة الأقوى لدى الشباب، بينما اشير بعض الدراسات إلى أنّ الأمر يمكن أن يعزى إلى تسمم الأسبرين، حيث كانت السلطات الطبية قد أوصت في ذلك الوقت بجرعات كبيرة من الأسبرين تصل إلى 30 جراما في اليوم، بينما تعتبر كمية أربعة جرامات الجرعة اليومية القصوى الآمنة بحسب الدراسات العلمية.من جهة أخرى أرجع بعض الباحثون الأمر، إلى الازدحام في المخيمات الطبية والمستشفيات وسوء النظافة الصحية ما عزز العدوى البكتيرية الإضافية، وكذلك سوء التغذية والصرف الصحي، الذي عانى منه السكان خلال زمن الحرب العالمية الأولى، ليبقى السبب الحقيقي غير واضح حتى اللحظة.