ليس مجرد بحثا عن الذهب بقدر ما هو بحثا عن الذات والأحلام والطموح المفقود في ظل دول وحكومات أهملت التنمية والبناء ولم تستثمر ثرواتها او توظفها لبناء حياة افضل لسكانها وشبابها ، مما حذا بأكثرهم الى اللجوء لتجارة موازية غير شرعية عسى ان تحقق لهم ما يصبون اليه من حياة كريمة قد تصل لو حالفهم الحظ للثراء والرفاهية.البدايات:يقول محمد عاشور صاحب محل ذهب في مدينة القطرون وبائع اجهزة كشف عن الذهب : بداية اكتشاف الذهب كانت في 2012 على يد شباب في جبال تبستي ، بالتحديد في منطقة " مسكي " داخل الحدود التشادية بالصدفة , وفي عام 2014 تم اكتشاف الذهب في منطقة " براو" النيجيرية وهي كلها مناطق يسكنها التبو ، ويتواجدون فيها بحكم الانتماء القبلي ، نقب التبو الليبيين في تلك المناطق دون أي اعتراض ، وتبعتهم القبائل الليبية الاخرى التي انسحب الكثير منها وباعوا اجهزة التنقيب الخاصة بهم لصعوبة الطقس والبيئة بالنسبة لهم على حد قوله . في البداية كانوا يبحثون بشكل يدوي عن الذهب الموجود على سطح الارض ، وبعد ذلك اصبحوا يستخدمون اجهزة الكشف عن المعادن التي أصبح لها سوق هي الاخرى وتصل اسعار الكبيرة منها الى ستة او سبعة الالاف دينار ، والصغيرة الفين وخمسمائة , لتبدأ مرحلة التنقيب والحفر في الارض للبحث عن الذهب .الذهب في المناطق التشادية والتصريف والبيع في ليبيا : تعتبر منطقة 35) ) وهي منطقة داخل الحدود التشادية بخمس وثلاثين كيلو متر ، أكثر منطقة يوجد بها تنقيب حاليا لتوقف منطق " براو " النيجيرية بسبب فرض الحكومة النيجرية ضرائب على المنقبين , بينما منطقة ( 17 ) التي توجد داخل ليبيا يتم فيها تنقية وغربلة الذهب ، الى جانب كونها منطقة سوق كبيرة ومطاعم . يؤكد ( عاشور) ان كل التنقيب يتم داخل الاراضي التشادية ، اما البيع والتصريف يتم في ليبيا , بعكس مناطق الجنوب الشرقي الليبي التي يوجد بها تنقيب في جبال " كلنجة " داخل الاراضي الليبية ، لكنه لا يستطيع اعطاء معلومات عنها لأنها بعيدة ولا يعرفها بشكل جيد.أنواع الذهب وطرق بيعه : توجد أنواع وألوان مختلفة من الذهب المستخرج ، فمثلا الذهب الذي يتم اكتشافه على سطح التربة ولا يحتاج تنقيب وحفر يكون على شكل حجر أسود ، وبعد المسح يصبح أصفر ، وعياره اربع وعشرين قيراط ، وأحيانا ثلاثة وعشرين قيراط ، وهذا النوع يتواجد بشكل اكبر في منطقة " مسكي .. وبراو " ، وسعر الجرام منه 168 دينار ، أما الذهب الذي يتم التنقيب عنه ، فهو مختلط بالحجارة والتراب ويحتاج الى غربلة وتنقية وتجميع ، وعياره واحد وعشرين او اتنين وعشرين قيراط لوجود الشوائب فيه , ويستعمل الزئبق لتنقيته وتجميعه حيث يتم خلطه مع الذهب والماء ، ويتم حرقه ليتبخر الزئبق والماء ، ليبقى الذهب صافي ، وهذا النوع يكثر في منطقة ( 35 ) . الذهب عندما يخلط مع الزئبق يتجمع مع بعضه البعض ويصبح لونه اخضر ، وأحيانا يتركه المنقبون دون تنقية , فيبيعونه بسعر اقل من سعر الذهب المنقى ، وسعره 145 دينار , لكن وزنه يكون أكثر , وكلما تمت تنقيته من الزئبق يصبح اخف ، ويزداد سعره لنقائه وارتفاع عياره . يؤكد ( عاشور ) ان الكميات المستخرجة من مناطق التنقيب تصل لأكثر من عشر أطنان سنويا , ويضيف ان الكميات بدأت تقل حيث كانوا كأصحاب محلات للذهب يستلمون نصف كيلو يوميا لكل محل ، أما الان فيستلمون اقل من 250 جرام يوميا ، وما يعادل تسعة كيلو لكل المحلات مجتمعة في القطرون ، ومرزق ، بسب التضييق من الحكومات ، وقلة الذهب المستكشف ، واعتمادهم على الذهب المستخرج بالتنقيب اكثر من غيره , يضيف ان بعض الذهب المستخرج يتم بيعه وتصنيعه داخل ليبيا ، والبعض الاخر يتم تصديره الى " دبي " و" السعودية ".صراعات سياسية : التنقيب عن الذهب عجزت الحكومات على السيطرة عليه لصعوبة تضاريس مناطق التنقيب ، ولأن من يسيطرون على تلك المناطق ويقومون بالتنقيب هم أكثر دراية بها ، كما أن بعدها عن العواصم المختلفة للبلدان التي يقع فيها التنقيب جعلها مستقلة نوعا ما ، وبعيدة عن السلطات , ورغم ذلك فرضت حكومة النيجر ضرائب على المنقبين في اراضيها ، مما ادى الى خفض مستوى التنقيب فيها , وحاول الرئيس التشادي ادريس دبي وقف التنقيب ، وطالب المجموعات التي تنقب بمغادرة المناجم ليقوم بجلب شركات صينية وكندية للعمل في تلك المناجم , واقدم على مصادرة سيارات المنقبين ومطاردتهم ، ووقعت اشتباكات بينه وبينهم مما دفع المنقبين لزراعة الالغام ليصعب على القوات الحكومية مطاردتهم ، كما أن وجود المعارضة التشادية بالقرب من مناطق التنقيب ، والتي تتمركز بمنطقة جبال الهاروج بليبيا ، والتي تبعد حوالي 350 كيلومتر عن مناطق التنقيب ، أدى لانسحاب القوات الحكومية ، واستمرار سيطرة المنقبين على المنطقة .البحث عن فرص العمل : يقول يوسف عبدالرحمن طالب ماجيستير في اكاديمية الدراسات العليا قسم التمويل والمصارف : أوقفت قيدي في الاكاديمية لأتفرغ للعمل في المناجم بدافع حب الاطلاع والمغامرة والتجربة , وعارضت أمي بشدة عملي في المناجم ، ولذلك كنت اخبرها بموعد سفري قبل السفر بلحظات ، وفي البداية كنت سائق لمهندس اتصالات ، ثم اصبحت سائق لنقل البضائع المختلفة لمناطق التنقيب .يضيف ، انه نتيجة لتدهور الاوضاع في ليبيا وبشكل خاص في الجنوب وانعدام التنمية ، اتجه الشباب لمناطق التنقيب بحثا عن فرص العمل المختلفة ، منقبين ، تجار ذهب ، مهندسي اتصالات ، او حتى تجار ملابس وسيارات وفحم وكل ما يخطر ببالك على حد قوله. وجود الذهب والتنقيب عنه فتح الباب لتجارة كل شي ، حيث يتم التوريد من داخل ليبيا الى مناطق المناجم ، الوقود ، السيارات ، الأغنام ، الاجهزة الكهربائية كالثلاجات واجهزة التكييف المائية ، شاشات البلازما , كما ان توفير الانترنت ووسائل الاتصال عبر الاقمار الصناعية في تلك المناطق ، يوفر دخلا شهريا يصل الى ثلاثين الف دينار ليبي , الى جانب الماء الذي توجد عشرات السيارات التي تنقله لمناطق التنقيب ومناطق التنقية والغربلة . عملة خاصة بمناطق التنقيب : يستعمل الذهب كعملة تسمى " البيشة " اقل من مليجرام من الذهب ، وقيمتها حوالي 20 دينار للتبادل التجاري مقابل البضائع المختلفة ، بما في ذلك شراء الطعام والشراب ، كما تستخدم الى جانب الذهب عملات أخرى ، الدينار الليبى ، السيفا التشاديه والنيجرية ، الجنيه السودانى. يضيف يوسف ان بيع الذهب المستخرج أحيانا يتم داخل المناجم نفسها ، لكن أغلبية الذهب يتم نقله للقطرون ، ومرزق ، حيث يشتريه اصحاب محلات الذهب هناك تمهيدا لنقله لمصراتة ، ومن ثم الى دبي والسعودية . ينفي يوسف تماما كل ما يقال عن شركات فرنسية تقوم بالتنقيب او العمل في مناطق الذهب ، فمن يقوم بالعمل هم أهل تلك المناطق ، وبعض القبائل التي تعيش في الجنوب كالتبو والتوارق والقرعان والزغاواه والمرديا و الموريتان والقطارنة والورفلة والقذاذفة والمحاميد وقليل من أولاد أسليمان , الى جانب جنسيات عربية من السودان وتونس ومصر . ويعقب بحماس أن اهم اشخاص في المناجم هم السودانيين لأنهم خبراء في عمليات البحث والتنقيب عن الذهب والطبخ ايضا ، حيث يحتكرون المطاعم البسيطة التي توجد هناك ، لذلك وجودهم ضروري في كل المناجم . يضيف ايضا ، انه رغم وجود غرفة أمنية , لكن الامن في تلك المناطق معدوم ، وكثيرا ما تسرق السيارات ، الى جانب انتشار امراض الحصبة ، ومرض المناجم الغامض بين الحين والاخر , والاشتباكات التي تحدث بين الحين والاخر ، ولذلك العمل في التنقيب ليس نزهة على الاطلاق بل له مخاطره.منطقة 17 منطقة الدعم اللوجستي : يؤكد يوسف ان أغلبية المناجم تقع داخل الحدود التشادية في سلسلة جبال تبستي ووديانها . مسافة 260 كم عن منطقة القطرون الليبية . لكن منطقة 17 التي تقع داخل الحدود الليبية والتي سميت بذلك لبعدها عن الحدود التشادية سبعة عشرة كيلومتر فقط ، تلعب دورا حيويا بمد مناطق التنقيب داخل الحدود التشادية بكل ما تحتاجه ، لذلك هي منطقة تجارة حرة بجدارة , يأتي اليها التشاديين وكل الجنسيات التي تعمل في مناطق التنقيب للتزود باحتياجاتهم المختلفة التي تأتي كلها من الاسواق والأراضي الليبية . يضيف قائلا : حالياً توقف عن مزاولة هذه المهنة بسبب التطاحن القبلي القائم إلى الآن ، وكذلك قطاع الطرق الذي إزداد نشاطهم بكثرة في تلك المناطق , وانه سيحاول العودة إلى دراسته والتركيز على ما هو أفضل لمستقبله ، ربما هذا سيعيد السلام الداخلي لنفسه من جديد . انهى حديثه بالقول : ( أنا خضت هذه التجربة تتبعاً لفضولي في معرفة المزيد عن هذه التجارة ، وحياة المنقبين في المناجم ، ولكن لم أدرك تماماً أنها ستكون بهذا الشكل وهذه الخطورة ) .وجود خجول للدولة : يقول مدير فرع المؤسسة الوطنية للتعدين مرزق ، جلال منصور هاشم ، قمت بزيارة لمناطق الذهب رفقة عميد بلدية القطرون " علي سيدا " في ابريل من عام 2018 ، منطقة " 17 " ، ومنطقة " بوكليل " ، واطلعت على ما يجري هناك ، وبالمناسبة الجنوب الغربي الليبي يتوفر على عشرين معدن من ضمنها الذهب , وموضوع التنقيب عن الذهب في الجنوب الغربي الليبي معقد بعض الشيء ، حيث ان عروق الذهب مطمورة في أعماق الارض ، وتحتاج شركات متخصصة لاستخراجها ، وكل الذهب الذي نسمع عنه ويتم استخراجه ، هو ذهب مستخرج من الاراضي التشادية او النيجرية ، ففي مناطق تشاد والنيجر يمكن العثور عليه على سطح الارض ، التنقيب عنه لمسافات قريبة من الارض ، وبطرق بدائية . أرسلت تقرير رسمي للمؤسسة الوطنية للتعدين في طرابلس يوضح هذه المعلومات ، وطلبت منهم منح مكتب مرزق المزيد من الصلاحيات في هذا الموضوع لتمكين المكتب من اصدار تراخيص للشركات المنقبة عن الذهب للعمل في المنطقة . وتقدمت خمس شركات من ضمنها شركة اجنبية لها فرع في ليبيا بطلب تراخيص للاستطلاع والاستكشاف مبدئيا ، وحتى الان لم نعطيها تراخيص بسبب المركزية في الاجراءات داخل المؤسسة ، كما ان العامل الامني يلعب دوره ايضا ، رغم ان هذه الشركات تريد العمل على مسؤوليتها ولا تحتاج منا ان نؤمن لها تواجدها في حال الموافقة على اعطاء التراخيص ، وعبرت عن استعدادها لدفع الضرائب والتأمينات للدولة الليبية ، ولا زلت انظر للخطوة على انها ايجابية في ظل الوضع الحالي ، كون تلك الشركات تملك الاستطاعة على التنقيب دون الحصول على ترخيص منا ، ولكنهم حريصون على اتباع الاجراءات الرسمية . تبقى تلك المنطقة تتقاذفها الأحداث وخارج نطاق السيطرة ، حيث تتصارع عدة أطراف لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية دون النظر لمصلحة ساكنيها ، ودون تحقيق تنمية حقيقية تحقق الاستقرار والتنمية المنشودة.أ . ريمة الفلاني .. سبها .. فزان