مقال منقول ...
هل يكسِر الرئيس السيسي “المحظور” ويُرسِل قوّات “علنيًّا” إلى ليبيا لمُساعدة صديقه المُشير حفتر على حسم الحرب في طرابلس؟ وهل ستُوفِّر الإمارات المزيد من الغِطاء الجويّ؟ وكيف سيكون رد تركيا وقطر وإيطاليا؟ ولمَن الفوز في أيّ مُواجهةٍ عسكريّةٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ “مُوسّعةٍ” وشيكةٍ؟
April 14, 2019

عبد الباري عطوان
كان من المُفترض أن تبدأ اليوم الأحد في واحة غدامس، جنوب ليبيا، جلَسات مُلتقى الحِوار الوطنيّ الليبيّ الذي ترعاه الأُمم المتحدة، ويهدِف إلى التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ بين مُختلف القِوى المُتصارعة، وبِما يُمهّد لانتخاباتٍ تشريعيّةٍ عامّةٍ قبل نهاية العام، ولكن الهُجوم الذي شنّه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس نسف هذا المُلتقى، ووضع البلاد أمام عدّة خِيارات، فإمّا أن يُسيطر المشير حفتر وجيشه على العاصمة ويُوحّد كُل الأراضي الليبيّة تحت سيطرته، ويُنصّب نفسه رئيسًا للبِلاد، أو يُواجه هزيمةً ثقيلةً تردّه على أعقابه، وربّما تُؤدّي إلى إضعافه، وخسارته للمناطق التي أخضعها لحُكمه في جنوب البلاد ووسطها وشرقها.
هُناك قوّتان تنخرطان في معركة طرابلس الحاسمة حاليًّا، وكُل منهما تدّعي الفوز، الأولى بقيادة المشير حفتر الذي يحظى بدعمٍ سعوديّ إماراتيّ مصريّ فرنسيّ، والثانية حكومة الوفاق الوطني المُعترف بها أُمميًّا، وتحظى بدعم قطر وتركيا وإيطاليا، إلى جانب فصائل إسلاميّة ليبيّة وعلى رأسها قوّات مصراتة القويّة والمُنظّمة.
***
من الواضِح أن قوّات الجيش الوطنيّ القادمة من الشرق تُواجه صُعوبةً في تحقيق أهدافها في السّيطرة بالسّرعة المُتوقّعة على العاصمة طرابلس، رغم التقدّم الذي حقّقته في منطقة غريان الجبليّة الوعِرة جنوب العاصمة، ووصولها إلى أطرافها، أيّ العاصمة، وإحكام السّيطرة على مطار طرابلس الدوليّ المُغلق، وتعطيل المِلاحة الجويّة في مطار معيتيقة الذي كان خاضعًا لحُكومة الوِفاق، فالقوات التّابعة “لميليشيا” مصراتة ذات الطّابع الإسلاميّ، والمدعومة من قطر وتركيا وحركة “الإخوان المسلمين”، أرسلت عدّة وحَدات إلى العاصمة لتعزيز دفاعاتها في وجه المشير حفتر، وأُخرى لشن هجوم مُضاد لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها قوّاته.
المشير حفتر الذي أعلن المتحدث باسمه اللواء أحمد المسماري، أنّ قوّاته تُسيطر على 95 بالمئة من حُقول وموانِئ النّفط في ليبيا كان من المُمكن أن يُشارك في مؤتمر غدامس من موقع قوّة بحُكم سيطرته على مُعظم الأراضي الليبيّة أيضًا، ولكنّه اختار الحسم العسكريّ، مُعتقدًا أنّ أهل طرابلس الذين يُعانون من فوضى الميليشيات الدمويّة سيُرحّبون به وقوّاته على غِرار أهل الجنوب الليبيّ حيث دخل فزان دون أن يخسر جُنديًّا واحِدًا، ولكن فزان شيء وطرابلس شيء آخر.
المشير حفتر يُريد أن يُحقّق حُلمه التّاريخي في أن يكون رئيسًا لليبيا ولو ليومٍ واحد، وينتقم من خُصومه الإسلاميين وداعميهم، لأنّ كُل العُروض المُقدّمة إليه في إطار التّسويات السياسيّة تحرمه من تحقيق هذا الحُلم، وتحصر مُستقبله في وظيفة قائد للجيش أو وزير للدفاع، وهذا ما يرفضه، وسيظل يرفضه في المُستقبل المنظور.
التطوّر الأهم في المشهد الليبيّ هو طيران المشير حفتر المُفاجئ إلى القاهرة، ولقاؤه اليوم مع “المشير” عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر، وداعمه الأكبر، وعدو الإخوان المسلمين والإسلام السياسيّ الأبرز، في قصر الاتحاديّة في القاهرة.
لا نعرف ماذا جرى في هذه “القمّة” المُفاجئة من اتّفاقات، ولكنّنا لا نستبعد أن يكون المشير حفتر قد طلب من صديقه السيسي دعمًا عسكريًّا مُباشرًا لإنهاء حالة الجُمود الحاليّة في طرابلس وتسريع الوصول للحسم العسكريّ.
الرئيس السيسي الذي رفض التّجاوب مع طلب سعودي إماراتي بإرسال قوّات مصريّة للمُشاركة في حرب اليمن، ربّما يتردّد في التّعاطي إيجابيًّا مع طلبٍ مُماثلٍ لحفتر، ولكن ليبيا المُجاورة لمِصر ليست اليمن البعيد الذي يُذكّر بأكبر نزيف عسكريّ في تاريخ مِصر، أدّى إلى هزيمتها عام 1967، وكانت ليبيا، وستظل العمود الأبرز في أيّ استراتيجيّات لمِصر لحِفظ أمنها واستقرارها.
نتجنّب إجراء مُقارنة أو مُقاربة، بين التدخّل السعوديّ الإماراتيّ في اليمن، والتدخّل العسكريّ المِصريّ “غير المُستبعد” في ليبيا، لأنّ الوضعين مُختلفين، ولأنّ المُتدخّلين في الحرب الليبيّة يتراوحون بين قِوى دوليّة وأُخرى إقليميّة وسط تناقُض واضح في مصالحهم، فإذا طالت حرب اليمن أربع سنوات، وتدخُل عامها الخامس دون أيّ مُؤشّر على قُرب انتهائها، فكم ستطول نظيرتها في ليبيا؟
***
الأمر الوحيد الواضح، الذي لا يُمكن تجاهله، أن من يدعمون “الشرعيّة” ورئيسها عبد ربه منصور هادي، ويخوضون حرب اليمن تحت شِعار عودته، هُم الذين يدعمون المشير حفتر، ويُوفّرون له كل مُتطلّبات القُوّة من مال ومَعدّات عسكريّة وغِطاء جويّ، أيّ السعوديّة والإمارات ومِصر، ولم يكُن مُفاجئًا أن يحظى المشير الليبيّ باستقبال “الزّعماء” من قبَل العاهل السعوديّ سلمان بن عبد العزيز ونجله وليّ العهد، عندما حطّ الرّحال في الرياض الشّهر الماضي، ويعود منها مُسلّحًا بمُباركتهما لخطواته باقتِحام طرابلس.
هل سيكسِر الرئيس السيسي القاعدة المحظورة ويُرسل قوّات إلى ليبيا لحسم الأمر عسكريًّا لصالح حليفه المُشير حفتر، وهل ستُقدِّم الإمارات الغِطاء الجويّ؟ أو المزيد منه؟ وهل ستزيد فرنسا أعداد قوّاتها الخاصّة المُتواجدة حاليًّا في طبرق، وتُلقي بثُقلها خلف المشير الليبي؟ وكيف سيكون رد المُعسكر الآخَر المُقابل، أيّ قطر وتركيا وإيطاليا القريبة؟
على ضُوء الإجابات على هذهِ الأسئلة، أو بعضها، سيتقرّر مصير ليس العاصِمة طرابلس فقط، وإنّما المشهد الليبيّ بأكمله.. وما علينا إلا الانتظار حتّى يهدأ غُبار المعارك والمواقف قليلًا، لنتعرّف أكثر على الوقائِع على الأرض.. واللُه أعلم.