هل تنقذ الخطة "ب" ليبيا؟ ... تفاصيل خطة وليامز السرية و العثرات المتوقعة
دراسة ...
تأليف: عماد الدين زهري المنتصر و د. محمد فؤاد
الناشر: مكتب أبحاث الأتلانتك كاونسل، واشنطن - الولايات المتحدة الأمريكية
لا يشك أحد أن ليبيا اليوم تمر بأسوأ مراحل تاريخها منذ فبراير 2011. ففي بلد يمتلك ثروات نفط وغاز هائلة لا تستطيع الحكومة المدعومة دوليا من تقديم أبسط الخدمات كالكهرباء والماء وحد أدنى من الأمن ، و يستفحل في عاصمتها في الغرب نفوذ العصابات المسلحة التي تحكَّمت في كل شئ.
أما في الشرق فقد لحق الدمار ثاني أكبر مدن ليبيا ووقعت فيها جرائم الحرب و الإبادة و انتهى المطاف بزعيم قوات الكرامة بعد سنين أربع من الحرب بإنحسار نفوذه حيث انشق عنه محمود الورفلي الذي يقود قوات متمرسة كان يعتمد عليها حفتر في تحقيق أحلامه للوصول للسلطة.
جنوبا تفقد ليبيا هويتها تدريجيا بتدفق قبائل التبو و الطوارق و المهاجرين من دول أفريقيا المجاورة ويبسط المتمردون الأفارقة من السودان و تشاد و النيجر سيطرتهم على مناطق شاسعة من الجنوب الليبي. و هكذا تحولت ليبيا ليس إلى دولة فاشلة واحدة، بل إلى ثلاث دول فاشلة يتزاحم عليها المسلحون والفاسدون والانتهازيون ينهشون خيراتها و يذلون مواطنيها.
على هذه الخلفية المحزنة، تقدم المندوبة الجديدة للمبعوث الأممي السيدة ستيفاني وليامز خطتها السرية "الخطة ب" لمعالجة فشل خطة طريق غسان سلامة الذي لم يحقق تقدما يذكر طيلة فترة ولايته.
لم يجد غسان سلامة بداً من اللجوء إلى خطة وليامز حيث أشار لها في إحاطته أمام مجلس الأمن منذ يومين عندما قال مهددا " "فإذا لم يتم تشريع قانون (الانتخابات) قريباً، فإننا لن نستمر في هذا النهج. إذ ثمة سبل أخرى لتحقيق التغيير السياسي على نحو سلمي وسوف نتبناها دون تردد، وبكل حماس بالتأكيد."
على الرغم من الدعم الدولي المتوقع، لابد لوليامز من التعامل مع أخطاء و تجاوزات في خطتها قد تؤدي لفشلها.
إضمحل دور الحكومة و القضاء و الشرطة فانتشر العنف و الفساد و الإجرام في كل صعيد و في كل مكان من ليبيا ، أما البرلمان فلم يصدر تشريعا واحدا ذا أهمية طيلة أربع سنوات بل تعمَّد التقاعس عن التصديق على الحكومة و إصدار قانون الإنتخاب و الإعداد لمشروع الاستفتاء على الدستور و التخلص من المؤسسات الموازية.
استغلت دول الجوار و بعض الدول الأجنبية هذا الفراغ و هذه الفوضى فساهمت في تأصيل و ترسيخ العنف و الفساد. من هذه الدول من يتنافس على مصالح و نفوذ و سياسات كإيطاليا و فرنسا و منها من يتنافس لإفشال المشروع الديمقراطي كمصر و الإمارات. ويستقوي أطراف الصراع في ليبيا بهؤلاء اللاعبين الدوليين جميعا و ها هو خليفة حفتر يطالب على لسان متحدثه الرسمي بتدخل و دعم الرئيس الروسي "شخصيا".
زاد في خلط الأوراق و ضبابية المشهد هجوم بعض الكتائب المسلحة على العاصمة الأسبوع الماضي بذريعة التخلص من الميليشيات و الفساد. تسبب هذا الهجوم في وقوع إصابات بين المدنيين و انتهى بإعلان وقف للنار بوساطة البعثة الأممية يوم الثلاثاء 4/9/2018. إحتمال اشتعال المعارك لاحقا يظل قائما بدون أي دليل على وصول المهاجمين لاهدافهم المعلنة فاتفاق وقف النار لا ينص على خروج المليشيات أو ملاحقة المتورطين في الفساد.
الخطة ب : في خضم هذه الأمواج المتلاطمة دفعت وليامز بالخطة "ب" التي تعتمد على
اولا تشكيل و انعقاد مؤتمر وطني يقوم باتخاذ خطوات حاسمة رسمتها له وليامز بدقة. سيبدأ المؤتمر عند انعقاده بمطالبة مجلس الأمن بسحب الاعتراف من كل الأجسام السياسية في ليبيا المستمدة لشرعيتها من القرار الأممي رقم 2259.
ثانيا يقوم المؤتمر الوطني الجديد "بتوجيه" مجلس الأمن لعدم إجراء انتخابات رئاسية في الظروف الراهنة لانعدام الأمن وانتشار النزاعات مما سيؤدي للمزيد من الانقسام (من أهداف السيدة ويليامز و الحكومة الأمريكية هو عدم تمكين أي طرف واحد من تحقيق انتصار).
ثالثا، سيطالب المؤتمر مجلس الأمن بإلزام كل الأطراف واستناداً على الفصل السابع بإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر اعتماداً على أحد القوانين الانتخابية الحالية (2012 أو 2014) كأساس لهذه الانتخابات. أخيرا، تعتمد الخطة على أن تلوِّح الولايات المتحدة بعصاها في وجه كل الأطراف محذرة من مغبة عرقلة الخطة و مطالبة الجميع باحترام نتائج الانتخابات.
اللمسات النهائية على خطة وليامز سترسم في اجتماع روما المخطط له في شهر نوفمبر لهذه السنة. تواصل وليامز المشاورات بخصوص صفة المدعوين وعددهم بعد مطالبة بعض الجهات الدولية بتحجيم دور القيادات السياسية الحالية كمجلس النواب و المجلس الرئاسي و حفتر و سيكون هذا التحجيم عن طريق دعوة شخصيات قبلية و أعضاء مجالس بلدية و نشطاء سياسيين. و تسعى وليامز لمشاركة رموز كل من التكتلات الثلاثة: ثوار فبراير وانصار الكرامة و أنصار العهد السابق سعيا لتقاسمهم السلطة جميعا.
من الاستعدادات الخفِّية التي تقوم بها وليامز هي التواصل مع بعض الحقوقيين والنشطاء الليبيين للتصدي لاي تشريع يصدره برلمان طبرق ومن شأنه عرقلة الخطة ب. تقوم وليامز كذلك بمحاولة "ترويض" مليشيات طرابلس. على سبيل المثال، تُعقد لقاءات دورية بين جهاز الاستخبارات المغربية بالتنسيق مع وكالة المخابرات الأمريكية من أجل إستيعاب قادة مليشيات طرابلس الأربعة الكبار وتحويلهم لمتعاونين.
المصاعب و العثرات
مع أن وليامز تتحرك على عدة محاور لضمان نجاح الخطة ب، إلا أن هناك عثرات و أوجه قصور لابد لها من تداركها إن أرادت أن يكتب لخطتها النجاح:
العثرة الأولى هي محاولة احتواء و التعاون مع مليشيات طرابلس. هذه المليشيات المتغولة تعتمد في نجاحها و قوتها و إيراداتها على غياب الأمن والاستقرار. و ستقوم هذه المليشيات بمحاولات تخريبية ناعمة لهذه الخطة و العمل على تعثر قيام الدولة لتضمن النفوذ و المال و الإفلات من العقاب. و نحذر أن تحويل هؤلاء القادة إلى "متعاونين " لن يضمن الاستقرار أو النجاح كما كان خليفة حفتر ، المتعاون الرسمي مع وكالة المخابرات الأمريكية، دائما عنصراً منغصاً لأي محاولة لقيام الدولة و استقرارها.
اعتماد الخطة ب على قوانين الانتخابات الحالية سيؤدي لرفضه من قبل المدن و المناطق المتضررة من تجاوزات هذا القانون. لابد للخطة ب من آلية لتعديل قانون الانتخابات و جعله أكثر إنصافا و موافقة للقانون الدولي. أما الدستور فتتجاهله تماما الخطة ب. لابد لهذه الخطة من وضع خارطة طريق لإقرار دستور و يكون هذا عن طريق تعيين لجنة فنية دولية مصغرة تقوم بتعديل دستور 1963 والإعداد للاستفتاء عليه السنة القادمة.
الخلل الآخر للخطة ب هو الإصرار على القيام بعملية إنتخابية موَّحدة في كل أنحاء البلاد. و كما أنذرت جهات مختصة عدة كهيومن رايتس واتش، فإن المناطق التي ترزخ تحت الحكم العسكري أو يصعب فيها الانتخاب بحرية لا يمكن أن تكون جزأ من عملية الإنتخاب إلا بعد استتباب الأمن و ضمان الحريات. و لهذا فإن أطروحة الإنتخابات التزايدية التي تقدم بها السيد عماد الدين المنتصر تكون هي الحل الأمثل و الوحيد لهذه المعضلة. في الانتخابات التزايدية، تعقد الانتخابات أولا في المناطق التي ينطبق عليها الحد الأدنى من المعايير الدولية. و يتشكل البرلمان الجديد من هؤلاء الأعضاء المنتخبين بغض النظر عن عددهم. و يكون لهذا البرلمان الجديد كافة الصلاحيات التشريعية و السيادية و يمارس مهامه المعتادة و منها تشكيل حكومة. و للدوائر التي لم تجرى فيها الانتخابات اللحاق بالركب حالما توفرت المعطيات اللازمة للانتخابات و ترسل عندئذ هذه الدوائرمنتخبيها للمشاركة في البرلمان المنعقد. و هكذا يتشكل برلمان من أول مرحلة انتخاب ثم يتطور و يزداد عدد المشاركين فيه على التوالي عند انعقاد المزيد من الانتخابات في الدوائر الأخرى.
لن تنجح الخطة ب ما لم يُكبح جماح المشوشين الإقليميين. و لابد من وضع حد للمحاولات الفرنسية لتشكيل حكومة موالية لباريس و لأبي ظبي. و لن تنجح الخطة ب بدون تعقب و محاسبة الفاسدين من السياسيين و العسكريين و المليشيات و يكون تجميد أرصدتهم من أولويات المجتمع الدولي.
أما الممولين للميليشيات و المحركين للقلاقل و الإضطرابات كمصر و الإمارات العربية المتحدة اللتين انتهكتا مرارا حظر توريد السلاح لليبيا فيجب أن يواجهوا عقوبات صارمة لا تحابي أ