المرأة نصف المجتمع، هذا ما تعلمناه وما يردده كثيرون، ولكن الأمثال الشعبية التباوية لم تنصفها، بل جاءت كثير منها مجحفة في حقها. إذ لا تدبير ولا رأي لها، وهي الحقودة والعنيفة، بالرغم من أن المرأة التباوية حظيت بمكانة عظيمة في المجتمع التباوي، ولنا في تاريخ التبو القديم أمثال عدة، وخير مثال على ذلك دور الأميرات التباويات في بلاط إمبراطورية كانم التي حكمها التبو ردحاً من الزمن. فقد كنّ الحكام الفعليات للإمبراطورية، كثيرات منهن كن وصيّات على أبنائهن القصر فحكمن باسمهن الإمبراطورية فعلياً! كما أعطين اسمائهن لأبنائهن الملوك، إذ كثير من ملوك كانم ينسبن إلى أمهاتهم، ومن أشهرهم الملك دونما دابلامي، دابالا أميرة تباوية أعطت اسمها لأبنه الملك العظيم دونما بن باكيرو. وهذه العادة لا زالت موجودة عند بعض التبو، خاصة سكان كاوار، إلى عهد قريب نجد كثير من أبطال التبو الذين اشتهروا ببطولاتهم في الغزوات يكنون بأسماء أمهاتهم.
المرأة التباوية شديدة البأس، إذ شاركت العديد منهن الرّجال حتى في الغزوات، هناك قصص مأثورة لنساء شاركن في الغزوات، بل وتحصلن على غنائم عند قسمة الغنائم التي تتم بطريقة التداعي التي غالباً لا يحصل فيها الضعفاء من الرجال شيئاً.
فوق ذلك، كانت منهن سديدات الرأي، يأخذ برأيهن سلاطين تبستي. يُذكر أنه إثر خسارة التبو المعركة أمام الفرنسيين إثناء الغزو الفرنسي لإقليم تبستي هرب سلطان تبستي إلى تازر (الكفرة)، فبعثت إليه إحدى النساء رسالة مضمونها المثل القائل: "رقبة السلطان حمراء، ومقبض السيف أحمر"(Durdo yê agasu yê turo to madu)، أي لا يجدر بالسّلطان أن يهرب بل عليه أن يواجه المخاطر لأن قدرهم، أي السلاطين، الموت في سبيل أوطانهم وشعوبهم. فعلاً، عاد سلطان تبستي بعد أن وصلت إليه الرّسالة من تلك السيدة، وذهب إلى كاوار حيث تتمركز القوات الفرنسية وتفاوض معهم وانتهى النزاع سليماً.
حتى في عصرنا الحالي، قد أعجب الرحّالة الذين جابوا بلاد التبو خلال القرنين الماضيين بالمرأة التباوية أيما إعجاب، وفائها منقع النظير، إذ لم يجدوا مثيلاً لها في الوفاء في نساء الشعوب المجاورة للتبو من العرب والأفارقة والبربر وغيرهم. لنترك الحديث هنا لأحد أهم الرحّالة الذين زاروا بلاد التبو نهاية القرن التاسع عشر، وهو الرحّالة الألماني ناختيجال، إذ كتب يقول عن المرأة التباوية في كتابه المعنون بالصحراء وبلاد السودان: "فالاستقلالية التامة التي تدير بها نساء تبو الرشادة شؤون بيوتهن، وفي غيا بعولهن، يرعين شؤونهم المشتركة، لهو بكل تأكيد، أمر يدعو للإعجاب بحق. فالزوج يغيب لأشهر وحتى لسنوات، بينما تترك الدور والأبناء، والأغنام والجمال تحت رعاية الزوجة لوحدها، التي، بدون حاجة لأي مساعدة خارجية أبداً، تشرف على كل شيء، فهي تتولى تربية الأطفال وترعى الحيوانات المنزلية، تُبرم أمور المبيعات والمشتريات، تغير مواضع سكناهم، وتقوم برحلات داخل البلاد.". ويضيف أيضاً: "فكونهن رغم هذه الأنشطة الذكورية والاستقلالية، يتمتعن بمثل تلك السيرة الذائعة الصيت بالولاء لأزواجهن" (ناخيجال، ص473).
رغم هذه المكانة التي تتمتع بها المرأة في المجتمع التباوي، جاءت معظم الأمثال الشعبية التباوية سلبية ومجحفة في حقها، وهذه نماذج منها تبين نظرة التبو للمرأة في أمثالهم الشعبية، ومدى الظلم والحيف الذي لحق بها:
المرأة عند التبو عوجاء كالضلع، إذ يقول المثل بأن: "المرأة والضلع أعوجان" (Adibi yê yusonu yê turo gînidu). وفي هذا يشترك التبو مع العرب في ليبيا، إذ يقول المثل الشعبي العربي الليبي بأن: "النساوين من ضلعة عوجة". اتفق المثلان في اعوجاج المرأة وإن اختلفا في الصيغة. انطلاقاً من هذا المثل تأتي كل الأحكام المجحفة في حق المرأة من تسفيه لرأيها، وعدم الثقة فيها.
المرأة لا تعتبر سنداً يعتمد عليها لذلك يقولون: لا تفتخر بامتلاكك لبنات كثيرة وحمير كثر"، لأنهن سوف يتزوجن عاجلاً أم آجلاً ويتفرقن ويذهبن مع أزواجهن، مثل الحمير الكثيرة التي ينتهي مصيرهم دائماً إلى التفرق والفقدان. وكثرتهن أيضاً يجلبن مصائب، فالمثل يقول: "إن تكثر من انجاب البنات تصاهر حتى الكلاب!" (Doba budi hosîe kîdi agurbi di mannu haŋi!). أي خوفاً من بقائهن دون زواج يزوجهن لمن يأتي.
والمرأة تلهي الشخص وتأخذه حيث تريد، وهي كالطريدة التي يتبعها الصياد وتأخذه إلى مكان قصي دون إرادته طمعاً في النيل منها. وكذلك المرأة، يتعبها الشخص طمعاً ورغبة فيها حتى يجد نفسه في مكان لم يكن ليذهب إليه بإرادته، وفي هذا يقول المثل: "المرأة والطريدة تأخذانك إلى مكان لا تعرفه" (Adibi yê buyunu yê turo kôi hananumó njoŋu tedi).
لارتباط المرأة بالعرض، فالدفاع عنها يتطلب كثيرٌ من الحزم، إذ يقول المثل: "إذا كانت لديك قضية امرأة قم بسلاحك" (Mêdi adibii taũwo, asubu numa yuda yerru)، والاقتراب من امرأة الغير خطر لا يوازيه خطر آخر، فالمثل يقول: "امرأة الغير وقبيلته لا دفاع عنهما" (Adibi aũu yê arbi aũu yê turo ndulodi yudadu). أي أنك لا تستطيع الاقتراب منها حتى من باب الدفاع عنها. كما يتشاءم التبو من قضايا المرأة، لأنها في الغالب تنتهي بإراقة دماء، يقول المثل في ذلك: "قضية المرأة خطيرة، قضية الدم خطيرة" (Mêdi adibii zundu ; mêdi guroi zundu).
طموحات المرأة حسب نظرة التبو بسيطة جداً، أقصى ما تطمح إليه المرأة زوج تسكن إليه. بينما الرجل يطمح في الثروة. حسب المثل: "المرأة تموت وهي تقول سوف آخذه، أي اتزوجه، بينما الرجل يموت وهو يقول سوف امتلك" (Adimmi maari činî nohi ; ômuri-ĩ bîdiri činî nohi).
المرأة قليلة التدبير، وعلى الرجل أن لا يعتمد عليها بتاتاً مهما علت منزلتها، فالمثل يقول: "قفا الرجل خير من وجه امرأة". (Bûri adibii di gûrti ômurii naũ).
ينظرون إلى المرأة أنها مجلبة للعار لهم، لذلك لا يثقون فيها بتاتاً، ولو كانت فتاة صغيرة، في هذا يقولون: "المرأة والنّار لا صغر فيها" (Adibi yê wûni turo kunu yugó)، هنا تم تشبيهها بالنّار التي لا يمكن أن نأمن عليها مهما كانت صغيرة، لا بد من الحذر منها.
المرأة كثيرة الكلام ولا تعدم ما تقول، لذلك شُبّهت بالحمار، أكرمكم الله، إذ يقول المثل: "المرأة إذا انحنت لا تعدم ما تقول والحمار إذا انحنى لا يعدم ما يأكل" (Adibi gûnjinoo, yunu yahadîe wudú ; ormo gûnjinoo, yunu čubîe wudú). يضرب هذا المثل في الغالب لتسفيه حجج المرأة الحردانة، فهي كثيرة الحجج كالحمار الذي يأكل شيء يلتقطه على الأرض.
والسيئات من النساء عند التبو أصناف عدة، المرأة ذات ابن سيئة عند التبو، فهي كالحمار ذات ابن تفكر في ابنها فقط. لذلك عُدت سيئة وجب تجنبها.
المرأة رغم ضعفها فهي عنيفة، ان قتلت تقتل بعنفٍ، وإن اعتدت تعتدي بعنف، فلذلك يقولون: "قِتلة النساء كقِتلة الغربان" (Adiba njîdo ; woa njîdo). الغربان تشوه جثة قاتلها، وكذلك المرأة إن قتلت لا تكتفي بالقتل بل تقتل بعنف وتشوه جثة قاتلتها! نتيجة لقسوتها وطبيعتها العنيفة فهي لا تصلح بأن تكون حاكمة، لأنها مجازية وغير عادلة، وفي هذا يقول المثل: "إذا نصبت المرأة رئيسةً فإنها تأمر بقتل شخص كلما تحركت ضفائرها!" (Adibi bui kohuũwo, gurunu huna čunnuã gunna aũ yîtu čîni).
نظراً لرقة المرأة وضعفها دائماً تستعمل دموعها كسلاحٍ لنيل مبتغاها، كما تستعمل ضحكها وابتسامتها لذات الغرض. يقول المثل: "المرأة إذا بكت أكلتك وإذا ضحكت أكلتك" ( Adibi yugazoo, njubu ; čudoo, njubu). ولكن، دموعها صادقة، بل أكثر صدقاً من يمينها. يقول المثل: "لا تصدق المرأة إن حلفت ولكن صدّقها إن بكت" (Adibi kubor čuboo, muganuú čîidi, čudoo muganu).
وأخيراً، المرأة تورث صفاتها لأبنائها، سواءٌ أكانت ايجابية أو سلبية، "فالمرأة السيئة ابنتها أيضاً سيئة" (Do zo ; doũ zo)، ويقول مثل آخر: "البقرة التي في رقبتها حبل في رقبة ابنتها أيضاً حبل" (Hor gûi hunã ha ôzi čîĩ gûi doũ hunã ha mannu, ôzi čî) . أي البقرة العنيدة التي لا يمكن حلبها إلا بربطها ابنتها أيضاً تكون مثلها. والقصد في البقرة هنا المرأة، المرأة المهملة تكون ابنتها أيضاً مهملة.
ليست كل الأمثال التباوية ذات نظرة سوداوية للمرأة، هناك أمثال تحاول أن تبرز الجانب الآخر للمرأة في مجتمع ذكوري، فالمرأة تلعب دوراً كبيراً في منزلها، فهي ليست دائماً سيئة. يقول المثل في ذلك "المرأة عظيمة في الداخل، والرجل عظيم في الخارج" (Adibi du wor ; ômuri yuga wor). وهذا المثل مصداق لتكامل الأدوار بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجية، بحيث تتولى هي شؤون بيتها الداخلية، بينما يهتم الرجل بالأمور الخارجية.
كذلك المرأة العظيمة تورث عظمتها لأبنائها، فالمرأة التي لا تفخر بنفسها ابنها كذلك لا يفخر بنفسه، وفي هذا يقول المثل: "المرأة التي لا تقول أنا ابنها أيضاً لا يقول أنا" (Adibi tani čináã mi huna mannu tani činú)،
ورغم كثرة الأمثال التي تظهر الجانب المظلم من المرأة إلا أنهم يقرون بأنها كطير مصر الخرافي في المثل التباوي الذي إذا أمسكته فقدت بصرك وإذا تركته فنيت، فهي الجيدة والسيئة. المثل يقول: "أحضر جيداً المرأة ؛ أحضر سيئاً المرأة" (Gali kûrtu adibi ; zundu kûrtu adibi).
المرأة وفية، فهي كالنّاقة تتمسك بالجميل الذي أسديته لها، يقول المثل: "الجمل والمرأة يتمسكان بما فعلته لهما" (Goni yê adibi yê turo yunu kohuũ yemma ha yuda čî