Toboupost تبوبوست

View Original

انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون…صدق الله العظيم

(إنّا كنَّا نستنسخ ما كنتم تعملون)

--------------------------

يقول الله تعالى: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) الجاثية 29

ما المُراد بقول الله تعالى: (كتابنا) و(نستنسخ)؟

ليس المُراد بالكتاب هنا مجرد كتاب من ورق كما هو مألوف لدينا عن مدلول الكتاب، فالكتاب المذكور في الآية كتابٌ ينطق بالحق، ويتكلم، ويُسمَع، وقوله تعالى: (ينطق عليكم) يُشير إلى أنه ناطق ومسموع وأنتم تسمعونه.

فماذا يمكن أنْ يكون هذا الكتاب؟

يقول الله تعالى: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربك أحدًا) الكهف 49، إنّه كتابٌ فيه كلّ أعمال العباد حاضرة وماثلة أمام أصحابها، والله تعالى لم يقل: ووجدوا ما عملوا مكتوبًا، بل قال: (ووجدوا ما عملوا حاضرًا)، وهو ما يُشير إلى أنّ الأعمال الحاضرة والماثلة في الكتاب ستكون هي ذاتها التي عملها الإنسان في الدنيا، بالصوت والصورة والسريرة.

فهو كتاب ألكتروني - إنْ جاز لنا التعبير – يتّسع لآلاف الساعات من الفيديوهات والتسجيلات التي تُغَطِّي حياة الإنسان منذ تكليفه إلى أنْ يموت، ولا غرابة في ذلك، فنحن اليوم نملك من الإسطوانات والأقراص المَرِنة، والفلاشات، والأجهزة الذكية، ما نكتب ونحفظ فيها ما نشاء من أفلامنا، وفيديوهاتنا، وتسجيلاتنا، وصورنا، ووثائقنا، وكتاباتنا، فكيف بالكتاب الذي تتحدث عنه الآية الكريمة؟!

إنه ليس كتابًا من ورق نقلِّب صفحاته، وليست الكتابة فيه تقتصر على الكلمات والحروف والأسطر، ولكنه كتابٌ ناطق، وعارض للصور والفيديوهات والتسجيلات، وهو يستوعب كل أعمال العباد: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).

وهو كتابٌ يحفظ ما كان في سرائر الناس من حُبٍّ وبُغض، وما حَوَت صدورهم من إيمان أو كفر، وسيجد الناس فيه ما لم يكونوا يحسبون له حسابًا: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) الزمر 47، وستظهر فيه قلوب الناس دون خفاء: (يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية)، وفي هذا الكتاب ستُبلى السرائر، وتنكشف النوايا: (يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر) الطارق 9-10.

(إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون):

الفعل: (نسخ) يأتي بمعنيين:

المعنى الأول: بمعنى: (ألْغى) و(أزال) و(أبْطَل)، وهو كما في قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) البقرة 106، أيْ: ما نُلْغي من آية أو نُنسِها.

المعنى الثاني: بمعنى: إيجاد صورة مطابقة لشيء موجود، والنُّسْخَة: صورة المكتوب أو المرسوم، نقول: هذه نُسخة من الكتاب، أيْ: صورة طبق الأصل من الكتاب، وهو كما في قوله تعالى: (ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف 154.

وقوله تعالى: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)، أيْ: إنّ كل أعمالكم يُوجَد منها نُسَخٌ مطابقة عند ربكم، وستَرَوْن أعمالكم بأنفسكم يوم القيامة، وستنظرون إليها ماثلة حاضرة لا خفاء فيها، ولا نقص، ولا زيادة، هي كما حدثت منكم، ولا يستطيع أحدٌ إنكار شيء منها، وسيقول لكم ربكم: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا).

منقول…