قادة أفريقيا يتوسّلون ((الأمان والطعام)) من سيّد الكرملين: الأفارقة والخيبة المزدوجة.
الزيارة التي أداها الرئيس السنغالي ماكي صال إلى موسكو، ولقائه الرئيس بوتين وحديثه عن كون أفريقيا ضحية للحرب على أوكرانيا.. وفحوى ما نشر من محادثة رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي بشأن "المخاوف الغذائية" للدول الأفريقية مع الروس بلهجة لا تخو من استعطاف و"قلة" حيلة.. عجيبة وغريبة، لكننا لا نستغربها من قيادات حكومية وهياكل قارية وإقليمية توارثت الضعف واستمرأت الفقر وتعايشت مع العجز حتى أساءت لشعوبها التي، ويا للأسف، قد أصبح في سماتها وسلوكها شيء كثير من هذه التشوهات النفسية والحضارية.
أفريقيا الخائفة من الجوع هي التي تتربع فوق مساحات خصبة من السهول ومئات مصادر المياه والينابيع والأودية والأنهار.. إذ كيف يجوع من لديه سهول السودان؟ وأسماك موريتانيا والصومال؟ وحبوب تونس؟ وأشجار المغرب؟ وفواكه غرب القارة ونخيل ليبيا والجزائر؟؟ كيف تجوع قارة يشقها نهر النيل من أقصى شرقها إلى شمالها؟ وكيف تصاب بالعطش والجفاف شعوب تمتلك بحيرات فيكتوريا أوغندا، وإينجا الكونجو، والحوض الجوفي في فزان ليبيا؟
إن أفريقيا الضحية التي تشكو حالها اليوم لبوتين، والتي سلمت مصير شعوبها الغذائي إلى بلدان جمدتها الطبيعة وأحرقتها الحروب، تجد نفسها اليوم تنتحب على وضعها كضحية أمنيّة محتملة للحرب الأوكرانية الروسية.. وهذا لا يُلام عليه بوتين الذي يحارب باسم أمن روسيا القومي.. وليس مطالبا بأن يخاف على أفريقيا أو على شعوبها.. لا ننسى هنا أن الأفارقة كان يفترض أن يتوجهوا بشكواهم أوروبا وإلى فرنسا التي حررها أجدادهم وأعاد بناءها وإعمارها آباؤهم، لتتصدى زوارق خفر سواحلها إلى الأحفاد وتغرقهم في عرض المتوسط ولتشحنهم في رحلات معاكسة من حيث جاؤوها وترسلهم إلى مصير مجهول!! فرنسا التي تغتصب من أموال أفريقيا ما تفيض بها موازنتها وتزدهر به مؤسساتها وينمو به عمرانها هي التي يفترض أن تفعّل اتفاقيات الأمن الاقتصادي والعسكري المشترك، وتقوم بدور إنقاذي لاقتصادات مستعمراتها السابقة وتعبئ جزءا من أموال أفريقيا المنهوبة لدرء شبح الجوع وخطر الفوضى عن حليفاتها في داكار وغيرها..
ليس ما يجري خطيئة فرنسية ولا أمريكية ولا روسية، بل هي خطيئة دويلات منكشفة ونخب عميلة مرتهنة، ورؤى قاصرة تجاوزتها الأحداث، ومقاربات غير وطنية قامت لخدمة الأجنبي فاستغلها لرخائه وأمنه، وتركها في برزخ النسيان تتحسّر على الماضي فلا تطاله وتتطلع إلى المستقبل فلا تدركه.. وللحديث بقية.
منقول