_ الفوضى الجميلة _


٠٠٠٠

نحن الليبيون لسنا بحاجة إلى رئيس دولة لسبب جد بسيط وهو أن ليبيا ليست ٠٠دولة ٠

٠٠٠

فنحن أعجز ما نكون عن صنع دولة ، ولم نكن يوما دولة ، وحتى في مرحلة الإستقلال لم تكن لنا دولة إلا في حدود العاصمة طرابلس ، أما باقي المناطق فقد كان العرف هو القانون الذي نسير عليه في تلك المناطق ، ونحن نظلم مصطلح ( البدواة ) عندما نقول بأن الليبين ( بدو ) ٠٠لأن المجتمع البدوي له قوانين تحكم سلوكه ، قوانين غير مكتوبة متعارف عليها ، نحن لسنا أكثر من هجين بشري يحمل في داخله جينات ( فوضى ) غير محددة الرؤى ، ونحن لسنا مجتمعا مدنيا حتى نصنع دولة مدنية لأننا نحمل في داخلنا الضدية نحو المفاهيم الإنسانية ٠

٠٠٠

فنحن حصرنا أنفسنا ، ورهناها بين محبسين لا ثالث لهما ، ووقفنا بين خياري الدولة ( الدينية ) والدولة ( العسكرية ) وحتى هذين الخيارين شابهما الغموض وعدم وضوح الرؤيا ٠

٠٠٠

بعد كل هذه السنين نجد أنفسنا اليوم لم نخرج من مرحلة ( الثورة ) إلى مرحلة ( الدولة ) لأن مرحلة الدولة _ التي تعقب الثورة _ لم تكن خيارا لنا أبدا ، وكنا نرى أن الثورة هي مجرد تغيير راية ، وتغيير نشيد وطني ، وبعد الثورة قمنا بترسيخ ( الفوضى ) ٠٠وهي الفوضى التى كانت موجودة أصلا ، ولكنها كانت فوضى مدروسة طيلة الأربع عقود ، وتربينا عليها٠٠تربت عليها أجيال ورضعتها في الحليب ، فأصبحت دما يجري في العروق الضمأنة ٠

٠٠٠

ليس الظلم هو الذي دفعنا نحن الليبيون إلى إشعال فتيل الثورة في منتصف فبراير سنة ٢٠١١م ، ولكن ( الشعور ) بالظلم هو الذي دفعنا إلى ذلك ، ولو كان الظلم هو الذي جعل الليبيون يشعلون الثورة لكانوا قد قاموا بها قبل ذلك بكثير ، لأن الظلم الممنهج كان رفيقا لليبين منذ سنة ١٩٦٩ م ، والجرائم التي قام بها الإنقلابيون كانت رياحها تلفح الوجوه ٠٠رياح من كل الجهات ، ومن كل فج عميق ، فلماذا لم يثر الليبيون وهم يشاهدون شاشات التلفاز وهي تنقل لهم على الهواء في شهر رمضان تدلي رقاب إخوانهم ؟!٠٠لأن وجود الظلم ليس بالضرورة أن يكون سببا في الثورة ، بل ( الشعور ) به _ بالظلم هو المحرك الأصيل لذلك٠٠

٠٠٠

لم تكن ثورة فبراير إلا ثورة على شخص واحد هو معمر القذافي ، في حين أن الثورة تكون ثورة على الذين يقومون بالثورة _ أي أنهم يثورون على أنفسهم أولا_ الثورة تكون على النفس أولا٠٠

٠٠٠

الفوضى التى يجد الليبيون أنفسهم في أتونها هي من صناعتهم هم ٠٠هم فقط ، وهم وبمحض إرادتهم يريدونها هكذا ، وهم من يرفضون قيام الدولة بوعي منهم أم بدون وعي ، وهم يرون أن الوضع الأنسب لهم هو ،ما هم عليه الأن ، ليس الطبقة السياسية من يريد ذلك ٠٠٠بل كل الناس رغم الشكوى ٠٠وهي شكوى كاذبة من الجميع حكاما ومحكومين ، وشعارات بأن ( ليبيا واحدة ) و ( ليبيا وإن طال النضال ) ماهي إلا شعارات كاذبة ومزورة، فليبيا ليست واحدة ، ولم تكن يوما واحدة ، ونحن _ الليبيون _ بعيدون جدا عن مفهوم ( الوطنية )٠ نحن لسنا بلد التناقض ، بل نحن التناقض نفسه ، نحن بلد المليون ونصف المليون حافظ ، ونحن أيضا بلد جيوش الفتوحات الجنسية غربا وشرقا ، ونحن البلد الذي أكتشف أعظم نظرية بأن المرأة تلد ، والرجل لا٠٠يلد ، نحن الذين هتفنا بالصوت العالي ، وطلبنا من معمر القذافي بأن ( يعلمنا لكي نحقق ٠٠مستقبلنا )٠٠وها نحن نحقق ٠٠٠مستقبلنا ٠

٠٠٠

نحن اليوم- نحن الليبيون _ نحيا أجمل أيام حياتنا٠٠نحن نحيا الزمن الجميل، ونرتدي الثوب الأفضل الذي يناسب مقاسنا٠٠زمن الفوضى الجميلة ، والذي نحن من إكتشفناه ٠٠لوحدنا ٠