مستقبــــل ســـوريا بعــــد سقـــوط نظـــام الأســـد
بقلم / إبراهيـــم الأصيفـــر :
مستقبل سوريا بعد سقوط بشار الأسد يعد موضوعًا بالغ التعقيد، ويعتمد على العديد من العوامل الإقليمية والدولية، فضلاً عن الديناميكيات الداخلية في سوريا. سقوط بشار الأسد من الممكن أن يفتح أبوابًا لعدة سيناريوهات، سواء كانت سياسية أو أمنية، وقد تشهد البلاد إعادة هيكلة سياسية واجتماعية كبيرة. فيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا بعد سقوط الأسد: السيناريو الأول: تحول نحو حكومة انتقالية ديمقراطية الانتقال السياسي: بعد الإطاحة ببشار الأسد في إطار حل سياسي مدعوم من المجتمع الدولي، قد تشهد سوريا فترة انتقالية يقودها مجلس حكومة مؤقتة تمثل جميع الأطراف السورية، بما في ذلك المعارضة والنظام السابق، مع دعم الأمم المتحدة والدول الكبرى. قد يشمل ذلك تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة. التحديات: سيكون من الصعب ضمان انتقال سلمي وسلس في سوريا بالنظر إلى تنوع القوى المتصارعة هناك. إضافة إلى ذلك، قد تظل الخلافات السياسية والإيديولوجية بين الفصائل المختلفة حجر عثرة أمام بناء حكومة شاملة ومستقرة. كما أن الانقسامات العميقة بين الطوائف والمجموعات العرقية قد تعقد أي عملية تسوية. السيناريو الثاني: تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ تفكك البلاد: إذا استمر النزاع لفترة طويلة بعد سقوط الأسد، قد تنشأ مناطق نفوذ تحت سيطرة قوى مختلفة. قد يكون هناك تقسيم فعلي لسوريا إلى مناطق تسيطر عليها القوى الكردية في الشمال، والفصائل المعارضة في بعض المناطق الأخرى، والمناطق التي يسيطر عليها النظام في دمشق أو في الساحل السوري. النتيجة: هذا السيناريو قد يعزز من فرص تأسيس كيانات سياسية أو إدارية مستقلة في بعض المناطق، مثل "إقليم كردستان" في شمال سوريا أو مناطق أخرى تحت سيطرة القوى الإسلامية أو المعارضة المعتدلة. ولكن هذا سيناريو محفوف بتحديات كبيرة، بما في ذلك صراعات بين هذه الكيانات وتقلبات في التوازنات الإقليمية. السيناريو الثالث: انهيار الدولة السورية وتدهور الأوضاع الأمنية الفوضى والصراع المستمر: في حال انهيار النظام بشكل مفاجئ دون وجود خطة للتسوية أو حكومة بديلة فعّالة، قد تشهد سوريا حالة من الفوضى والصراع المستمر بين الجماعات المسلحة المختلفة. يمكن أن يؤدي هذا إلى تدهور الوضع الأمني والإنساني بشكل أكبر، مع زيادة المعاناة للشعب السوري. الخطر على الاستقرار الإقليمي: هذا النوع من الفوضى سيؤثر أيضًا على استقرار المنطقة ككل، حيث قد يتمدد تأثير الجماعات الإرهابية مثل "داعش" أو "القاعدة" في بعض المناطق. كما أن القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران ودول الخليج قد تزيد من تدخلها لتحقيق مصالحها. السيناريو الرابع: تراجع الدور الإيراني الروسي في سوريا التأثيرات الإقليمية: بعد انتهى حكم بشار الأسد، فإن هذا قد يعني أيضًا انخفاض الدور الإيراني والروسي في سوريا. في هذه الحالة، قد تحاول إيران استعادة تأثيرها في المنطقة، بينما يمكن لروسيا أن تبحث عن طرق لحفظ مصالحها في البحر الأبيض المتوسط. قد تسعى هذه القوى إلى تشكيل تحالفات جديدة مع القوى المحلية أو العربية. التنافس الدولي: قد تدخل دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، في محاولة للنفوذ في سوريا، مما يزيد من تعقيد العلاقات الدولية والصراع الإقليمي. السيناريو الخامس: عودة الحكومة السورية بشكل محدود تحت قيادة بديلة حل داخلي يقوده النظام السابق: بعد سقوط بشار الأسد، قد ينجح بعض عناصر النظام القديم في البقاء في السلطة بشكل محدود، مع تغييرات سطحية لتلبية مطالب المجتمع الدولي أو المعارضة. قد تتم محاولة إعادة بناء الدولة السورية، لكن مع تغييرات طفيفة في القيادة أو حتى ربما تعيين شخصية بديلة تكون أكثر قبولاً دوليًا. التحديات السياسية: رغم أن هذا السيناريو قد يضمن نوعًا من الاستقرار السياسي، إلا أنه قد يواجه صعوبات في بناء الثقة بين الشعب السوري والقيادة الجديدة بسبب تاريخ النظام في القمع والانقسامات الطائفية. السيناريو السادس: دور متزايد للأكراد وكياناتهم إقليم كردي مستقل أو شبه مستقل: إذا سقط بشار الأسد، قد يسعى الأكراد في شمال سوريا إلى تعزيز سلطاتهم وتوسيع نطاق حكمهم، وقد يعملون على إنشاء كيان شبه مستقل في المنطقة الكردية. هذا قد يشهد دعمًا من الولايات المتحدة ودول الغرب، لكنه سيواجه تحديات كبيرة من تركيا ومن دول إقليمية أخرى، مما قد يسبب توترات إضافية في المنطقة. التدخل الدولي المباشر وبناء السلام دور الأمم المتحدة: قد يلعب المجتمع الدولي، بقيادة الأمم المتحدة أو التحالفات الغربية والعربية، دورًا محوريًا في إعادة إعمار سوريا وبناء مؤسساتها. قد تتضمن هذه الجهود نشر قوات حفظ السلام، تعزيز المصالحة الوطنية، وتنفيذ برامج لإعادة إعمار البنية التحتية. التمويل والدعم: سيكون من الضروري توفير الدعم المالي الهائل لإعادة بناء سوريا بعد سنوات من الحرب، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الإنسانية للملايين من اللاجئين والنازحين. وهذا يعتمد على التعاون الدولي والضغط على الأطراف المتنازعة للاتفاق على تسوية سلمية. السيناريو الأقرب وفق وجهة نظري: السيناريو الأول وذلك بسبب وجود قيادة مركزية للثورة السورية متمثلة في السيد أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي أبدى مرونة ودبلوماسية عالية في التعامل مع دول الجوار وعلى رأسها إسرائيل، وتوغله في العمق السوري بعد سقوط نظام الأسد، إضافة إلى الدعم التركي والقطري الواضح لهذه القيادة الجديدة. العلاقات الجيدة بين تركيا وقطر مع الإمارات تُخفف كثيرًا من التحديات المستقبلية للدولة السورية الحديثة، بعكس ما حدث في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي. أمريكا أيضًا ستسعى لضمان استقرار سوريا لتجنب تحولها إلى مصدر تهديد للأمن القومي الإسرائيلي. الخلاصــــة: مستقبل سوريا بعد سقوط بشار الأسد لا يزال غامضًا ويعتمد على العديد من العوامل. قد يكون الانتقال إلى حكومة انتقالية ديمقراطية، أو تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ، أو حتى فوضى أمنية على جدول الأعمال. الأوضاع ستظل معقدة، والتحديات الداخلية والخارجية ستظل تؤثر على سير الأحداث. بينما يبقى الأمل في التوصل إلى تسوية سياسية قادرة على إنهاء النزاع بشكل مستدام، فإن الواقع يشير إلى أن المستقبل سيكون مليئًا بالضبابية والصعوبات الكبيرة. رأي كاتب المقالة لا يُعبِّر بالضرورة عن وجهة نظر المركز.
#المركز_الليبي_للدراسات_الأمنية_والعسكرية #مقالات