حجاب الحجاب ---
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تركز الحوار الدائر في ليبيا حول تصريحات وزير داخلية الحكومة الوطنية السيد «عماد الطرابلسي» على فرض الحجاب على الليبيات فقط، وبدت القضية كما لو كانت «فرض الحجاب أو نزع الحجاب»، رغم أن الليبيات لبسن الحجاب منذ تسعينيات القرن الماضي، واختفى سفور «ستينيات وسبعينيات» ذلك القرن مع انتشار الصحوة الإسلامية وهزيمة فكرة التحديث على النمط الأوروبي وقيم تنويره وبدأ مسار العودة وتحرير العقل من أفكار الاستعمار الأوروبي لتحرير الأرض وفك الارتباط مع المستعمر وإرثه الذي بقي يحتل العقول كما كانت تصور الحال تلك الصحوة، بدأت مسيرة «من هنا إلى مكة» ومن هذا القرن إلى القرن الأول للهجرة، بدأت رحلة غسيل العقول، وعودة الابن الضال، نقياً، طاهراً لحضن التاريخ المجيد.
كان «البترودولار» الخليجي راعي وقائد تلك الصحوة، ليشهرها سلاحاً قاتلاً ضد منافسه الشقيق، أعني «الديكتاتوريات العسكرية القومية» وضد الليبرالية واليسار والتجديد الإسلامي والتي كانت البديل الأرجح لتلك الديكتاتوريات.
انتصرت الصحوة بعد معارك طويلة وقاسية خاضتها ضد الديكتاتوريات القومية وضد أفكار الليبرالية واليسارية وضد التجديد، واحتلت وجدان وعقل المواطن العربي المطحون والباحث عن مخلص من جحيم القمع والفقر والإلغاء، كانت الفردوس المفقود، والبديل الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد قرون القمع والاغتراب.
الحجاب لم يكن كما لم يكن الإزار وإطالة اللحى إلا علماً للمقاومة والتحرير، ملأ الوجدان وسلب العقول، بالضبط كما فعلت الشعارات القومية في مرحلة وتجربة تحرر محبطة ومخيبة للآمال.
الحجاب الذي لم يعد قضية في ليبيا ولم يعارضه أحد، ولم يعتبره أحد مشكلة؛ بل تعامل معه الجميع كمظهر لهوية شاملة، يتم طرحه وعبر تصريحات السيد الوزير كما لو كان قضية ليبيا الأولى وكأنما ثمة قوة اجتماعية وسياسية وثقافية تسعى لنزعه من على رؤوس الليبيات، رغم أن الجميع يعرف أن الحجاب لا اعتراض عليه في ليبيا ويغطي رؤوس الليبيات باختيارهن ودونما فرض ولا قرار ولا قوانين.
الحجاب الذي تطرحه الحكومة ومؤيدوها كما أراه ليس إلا حجاباً لحجب الحجاب العميق، حجاب العقل، حجاب الرأي، حجاب الصوت والتفكير المختلف، حجاب التنوع، حجاب الديمقراطية وحقوق الإنسان، «ليس الحق في التعري والتفسخ والشذوذ والانحلال الأخلاقي» كما تصور الحكومة «شرقاً وغرباً» وتقول إنها تعمل على محاربته»، فكلنا معها في ذلك والوقوف ضد كل تلك الأمراض.
حجاب القرارات الحكومية ليس إلا علماً ترفعه الحكومتان «شرقاً وغرباً» لحجب الفنون والآداب والتفكير والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، لسجن العقل والتفكير وحق الكلام، فثمة أجهزة يتم تفعيلها لتحقيق كل ذلك عبر مراقبة الفنون والآداب والأفكار وليس شعر النساء وجلوسهن في المقاهي، الموضوع أعمق وأبعد وأخطر من ذلك، إنه قانون سيتطابق مع قانون حماية الثورة الذي أصدره النظام السابق والذي توِّج بقوانين محاربة الظواهر الهدامة والزندقة.
ستبدو هذه القرارات كما لو كانت برنامجاً إسلامياً ولكنها ليست إلا استخداماً لمبادئ إسلامية المظهر لا هدف لها إلا السيطرة والسلطة وسنفاجأ بضرب إسلاميين بها بتهم التطرف والخروج.
إننا بهكذا قرارات نعيد سيرة العلك، فقد نفاجأ بعد هذه القرارات بقرارات مضادة من نفس المصدر تفرض نزع الحجاب وإباحة التعري والشذوذ كحجاب لحجب التفكير والديمقراطية وحق التدين وحق التحجب لمن أراد. بالضبط كما فعل رواد التحجب الأشقاء.
منصور بوشناف Mansour Bushnaf
بوابة الوسط، الخميس 21 نوفمبر 2024
https://alwasat.ly/news/opinions/458425?author=1