Toboupost تبوبوست

View Original

بوتين ضربة معلم


بوتين يحشر أوروبا في الزاوية ويحرج بايدن.. ولا يعبأ بالعقوبات..

بعد أن حوّل اوسيتيا الجنوبية الجورجية إلى دولة عام 2008، ثم فصل شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وضمّها عام 2014، ها هو بوتين يكّر الأمر نفسه عام 2022، بنفس الأسلوب ووسط نفس المناخات العدائية والمتوترة، مع إقليم دونباس، ومقاطعَتَيْ دونيتسك ولوغانسك الأوكرانيّتين.. بوتين ينتهج نفس المنهج، ويدفع بالأمور إلى حافة الهاوية ككلّ مرّة ويضرب ضربته من حيث لا يتوقّع الخصوم.. بوتين يخوض حروبه على طريقته، والغرب ليس غاضبا ممّا جرى تفصيلا أكثر من غضبه من طريقة بوتين في الحرب..

الحكاية كالآتي.. حذّر الحلف الأطلسي والغرب بوتين من عواقب اجتياح أوكرانيا وتعالت الأصوات متحدثة عن غزو وشيك.. لكن القيصر الروسي لم يلتزم بـ"خيالات الخصوم" وأمنياتهم.. بل أدار الموقف بشكل مختلف.. فلا هو شنّ حرباً معلنة.. ولا هو التزم بتحذيرات الناتو..

السيناريو كان مُعدًّا بعناية.. وتم كل شيء في قاعة واحدة.. إعلان استقلال.. فاعتراف.. فتوقيع اتفاقيات أمنية ودفاعية ومصرفية وإدارية..فطلب عاجل للحماية من الانتهاكات الأوكرانية.. فاجتياح شرعي وقانوني ومنظم.. ومحدود.. يمنع أي تصعيد أوكراني ضد جيش روسي متفوق تفوقا ساحقا ورادعا.

بوتين دخل الحرب بالفعل بعد أن أصدر الأوامر لجيشه بتنفيذ مهمة حفظ السلام على أراضي "الجمهوريتين الشعبيتين'" دونيتسك ولوغانسك"، واجتاح أوكرانيا لكن خصومه لا يريدون تصديق ذلك.. وهذا ليس بسبب ضعفهم أو سذاجتهم إنما بسبب مكر بوتين وصبره الاستراتيجي.

وعلى الرغم من تأكد كييف من اجتياح أراضيها رسميا، فإنها لم تفعل شيئا لإيقاف الأمر أو التصدي له.. فحلفاؤها لن يتدخلوا لمنع بوتين من مهاجمة عاصمتها.. لذلك خيّرت الحرب الكلامية واستفزاز جماعة حلف الناتو لتشديد العقوبات.

إن تفوق روسيا العسكري يمنع كييف من أي عمل ضدها، لأن مضاعفات القوة الأخرى الكفيلة بحسم أمر وجود أوكرانيا كلها لصالح موسكو بالكامل، نتحدث عن القوة السيبرانية والقوة الاستخبارية والقوة التقنية.. وهذه كلها مجالات تفوّق تجعل أي عمل دفاعي أوكراني بمثابة عملية انتحارية قد تذهب بالبلد برمّته.. فالمرجح رغم كل ما يمكن أن يصدر من ردود فعل خلال الساعات المقبلة، أن الناتو لن يجازف بخوض حرب قد تحول أوروبا كلها إلى رماد، وسيركن إلى اعتبار دخول بوتين لإقليم دومباس مجرد إجراء استثنائي مماثل لما جرى عامي 2008 أو 2014.. وستضحي أوكرانيا بجزء آخر من أراضيها لتضمن البقاء لعقد آخر من الزمن.. أما الناتو فالمؤكد أنه سيُبقي على سيف انضمام أوكرانيا مسلّطا على رقبة الروس لكنه سيجمّده إلى حين، ما دام بوتين على رأس الدولة، ولن يغامر حتى بالدفاع عن أحد أعضائه من دول شرق أوروبا أو شمال القوقاز المحيطة بالدب الروسي الغاضب في ظل التوتر الراهن..

ما زلنا نتحدث عن أزمة مفتوحة على كافة الاحتملات والتطورات، لكن المعطيات الثابتة فيها إلى حدّ الآن هي هشاشة أوروبا وتردد الناتو ونفاق واشنطن.. أما ما بعد الأزمة، فسيكون منعطفا في العلاقات الدولية وخارطة النفوذ وموازين القوى.

أما العقوبات الغربية، وخاصة الألمانية، فالجميع يدرك أن حاجة الأوربيين لروسيا أكثر من حاجتها إليهم أضعافا مضاعفة.. إنه اختبار الصبر، ولغة القوة ومنطق السيادة تفرضها الإرادة السياسية المسلحة بالتقنية وبمقوّمات التفوق الشامل والرخاء الاقتصادي وحسن التحكم في الموارد وتوظيفها.. درسٌ آخر يمرّ أمام أمة الأصفار العربية التي لا تساوي شيئا بنفطها وبغازها وكل ما تملك.. والله المستعان.

منقول—عن ايوان ليبيا

محمد الامين محمد

22- 02- 2022