قانون استقرار ليبيا أم استعمارها؟!
خرج علينا الكونجرس الأمريكي يوم الثلاثاء الماضي بقرار تحت مسمى "قانون الاستقرار في ليبيا"؛ يقضي بفرض عقوبات على معرقلي الاستقرار والعملية السياسية في ليبيا (!!!).
بموجب القانون سيتم فرض عقوبات على الممتلكات، وحظر التأشيرات على الأشخاص الذين يسهمون في العنف في ليبيا، كما ينص المشروع على الطلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ معاقبة من يقوم بأفعال تهدِّد السلام والاستقرار في ليبيا، أو أي مسؤول أو متواطئ في انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، أو سرقة أصول الدولة الليبية، أو مواردها الطبيعية.
ومن قبلها أعلن المجلس الأوروبي عن نيته معاقبة الأشخاص، والكيانات الذين يعرقلون، أو يقوِّضون سيرَ العمليةِ الانتخابية المقررة في 24 ديسمبر القادم، والمخطط لها ضمن ما تم التوصل إليه في خريطة طريق منتدى الحوار الليبي 2021.
هكذا نَصَّبَ الذئبُ نفسَه حارساً على حقول الكروم!
الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي هما المسؤولان عما حلَّ بليبيا، جراء عدوان غاشم لقوات الحلف الأطلسي (الناتو)، استمر، ما يقرب من ثمانية أشهر، يدك بالصواريخ والقنابل من الجو والبحر والبر، ضربات طالت الحجر والبشر الليبيين؛ من عسكريين ومدنيين، ومهَّد الأرض لتنظيم جماعة الإخوان، وحلفائها من الجماعة الليبية المقاتلة، وغيرها من الجماعات المصنَّفة إرهابيةً، لاختطافِ الدولةِ ومقدراتها.
بعد هذا التدمير الممنهج لليبيا، وسيطرة جماعات الإسلام السياسي على البلاد، عاثوا في البلاد ترويعاً للعباد وابتزازاً، ونهباً للثروات واكتنازاً، وتوزيعاً للمغانم فيما بينهم.. سادت الفوضى التي بشَّرتْ بها كونداليزا رايس في العام 2005، توطئةً لتشكيل الشرق الأوسط الجديد، فأضحت ليبيا دولة فاشلة بكل المقاييس، بعد أن غاب الأمن وساد قانون الغابة، حتى إن ما يقرب من ثلث سكانها غادروها مضطرين، والغالبية ممن تمسكوا بالبقاء أصبحوا يعانون من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بعد أن تم نهب الثروات الليبية الكائنة فوق الأرض وتحت الأرض من قبل الغرب وتركيا؛ بالإضافة للطبقة السياسية الفاسدة، ما أعادَ للأذهان خطاب القذافي في أغسطس 2011 حينما قال "هناك مؤامرة للسيطرة على نفط ليبيا وأراضيها، من أجل إعادتها إلى حظيرة الاستعمار مرة أخرى"، وقانون استقرار ليبيا يمثل من وجهة نظري باباً خلفياً لاحتلال ليبيا أمريكياً، فالقانون يجعل الطبقة السياسية رهناً برضاء الأمريكان.
يتزامن القانون مع انخراط أمريكي، لوحظ مؤخراً مع اقتراب الموعد المقرر للانتخابات الليبية، دفعت من خلاله واشنطن بثقلها في المجالين السياسي والأمني الليبي، فقد شارك المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، وسفيرها ريتشارد نورلاند، في افتتاح الجلسات التشاورية، بين ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى المتمخِّض عن اتفاق الصخيرات 2014، في إطار الترضية لجماعة الإخوان المسلمين، وتأتي الجلسات على وقع رفض رئيس المجلس الإخواني خالد المشري لقانون الانتخابات الرئاسية الذي أصدره مجلس النواب، وإطلاقه لغة تهديدية.
الأسبوع الماضي أيضاً شارك وفد أمريكي رفيع في اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5، هو الأول في العاصمة طرابلس.
كل هذه المؤشرات ستعيد خلط الأوراق في المشهد السياسي الليبي، وتجعل من الإدارة الأمريكية اللاعب الأوحد، ما يعني استحواذها على الكلمة الفصل في اختيار القيادات المنوط بها إدارة الدولة الليبية، ما يسهم في بقاء الوضع الراهن، حيث الدولة الفاشلة، ما يسمح بالمزيد من نهب الثروات، وتأجيج الصراعات بين الفرقاء، وهذا يؤدي إلى تقسيم الدولة الليبية في إطار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.