Toboupost تبوبوست

View Original

عالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها…؟

لن يتمكن العالم من فهم حجم التغيير الذي ستتركه جانحة كورونا على تاريخ البشرية إلا بعد إحصاء العدد النهائي للضحايا وتحديد المدة التي تمكن فيها الوباء من وقف العجلة الإقتصادية العالمية.

فكلما طالت مدة المعركة مع الوباء، وخصوصا في الدول الصناعية الكبرى، كان حجم التغيير والتداعيات أكبر.

وفي انتظار ذلك، لا بد من قراءة بعض المؤشرات التي أصبحت واضحة، فقبل كوفيد 19 كانت نظرية الوباء القاتل أسيرة كتب التاريخ وأفلام هوليوود.

وكانت أيضا مقتصرة على كثير من الأبحاث الطبية لفهم سرعة تطور الفيروسات ومناعتها المستمرة تجاه العلاجات وقدرة البكتيريا على الصمود أمام المضادات الحيوية. لكن هذه النظرية لم تعبر حاجز البحث العلمي إلى نطاق الأمن القومي الواسع.

رغم ما واجهه العالم من أوبئة وجوائح عبر التاريخ استمرت القوى العظمى في الاستعداد للتعامل مع العدو المرئي تطبيقا لنظرية السيطرة فقط ولم تتمكن من تطوير قناعة بضرورة تكريس موارد ضخمة لمواجهة عدو غير مرئي كالفيروسات وغيرها.

وحتى الآن، بدا أن الجوائح التي ضربت البشرية سابقا كانت أخطر من كوفيد 19 ، كالإنفلونزا الإسبانية التي أودت بحياة أكثر من 50 مليون إنسان في العقد الثاني من القرن الماضي. وهذا الرقم يتجاوز بكثير عدد الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى، فضلا عن أرقام ضحايا جائحة الطاعون الثالثة (1855-1959) التي تخطت ال 12 مليونا.

ورغم هذا التفاوت في أرقام ضحايا هذه الجوائح مقارنة بما سيحصده كوفيد 19، فإن تداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية قد تكون بالحجم الذي أحدثته الجوائح السابقة أو أكثر نظرا إلى عوامل عدة ولا سيما منها العولمة.

وإذا كان الحديث بلغة الأرقام لا يزال مبكرا، فالحقيقة التي بدأت تتكشف تبدأ بالمطالبات التي بدأت بالظهور لوضع الأمن الصحي على رأس أولويات استراتيجيات الدول العظمى بنفس مستوى التكنولوجيا والأمن الدفاعي.

فالأنظمة الصحية القائمة في الدول الغنية أثبتت عدم قدرتها على التعامل الفوري والاحتوائي لجوائح مماثلة لكورونا.

في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أكد على اعتراف متزايد بالحاجة الى مقاربة أقوى ومتماسكة للأمن الصحي. ودعا الإدارة الأمريكية إلى استبدال المقاربة القائمة للأزمات بعقيدة قائمة على سياسة وقائية ضد الأوبئة والحماية منها والصمود والمرونة.

فالسياسات المتبعة الآن قائمة على رد الفعل فقط وليس للوقاية منها.

ماذا يمكن أن يتغير؟

الكثير. فالتاريخ يؤكد أن الجوائح أدت إلى تغييرات جذرية في المجتمعات وعلى كل المستويات. فالطاعون الذي يعتقد أنه قضى على ثلث سكان أوروبا، أدى الى تطوير قطاع الزراعة ودفع نحو دور أكبر للمرأة بسبب تراجع اليد العاملة المتوفرة. كما أدى الى استعمال أوسع للفحم الحجري كمصدر للطاقة، ما مهد لاحقا لقيام الثورة الصناعية.

والتحدي الأول الذي ستواجهه الحكومات في برامجها السياسية المقبلة هو كيفية تجنب تكرار ما حصل. فهذا الموضوع سيتصدر كثيرا من الحملات الانتخابية في المرحلة المقبلة. وعلى الأحزاب المتنافسة والحكومات الإجابة على هذا السؤال الذي سيطرحه الناخب في الديمقراطيات الغربية على الأقل وسيفرض نفسه على كل نظام سياسي في العالم