حكاية قرش الكرامة
مقال منقول…
أرسل لي أحد الأصدقاء من دولة العراق الشقيق (بوست) لمواطن عراقي يسمى عباس الصالحي كتبه في إحدى صفحات الفيس بوك ووجد تجاوباً كبيراً وإعجاباً من المعلقين العراقيين، الذين قارنوا بين موقف جعفر نميري ومواقف صدام حسين، مع أفضلية المقارنة وبالإجماع لصالح نميري، يقول البوست: ( أيام ثورة مايو كان السودان يمر بضائقة إقتصادية فقام الرئيس السوداني جعفر نميري بأخذ قرض من الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، وبعد شهور طلب القذافي من نميري أن تمر طائرات الجيش الليبي فوق ارض السودان لمساندة الرئيس اليوغندي ضد الرئيس التنزاني بسبب خلاف حدودي بينهما، رفض الرئيس نميري طلب العقيد القذافي لأن مبدأ السودان هو عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، فأغضب هذا الأمر العقيد معمر القذافي وطلب من الرئيس نميري استرداد مبلغ القرض في الحال.
بحسب كاتب البوست، لم يتردد نميري وظهر على التلفاز وطلب من كل فرد من أفراد الشعب السوداني دفع قرش واحد، وفعلاً كان هنالك استنفار في كل المصالح والقرى والمدن ودفع كل الشعب السوداني هذا القرش وتم تسديد المبلغ للسيد العقيد وحفظت كرامة الأمة السودانية وسميت هذه النفرة بـ (قرش الكرامة)، ويضيف البوست أيضاً أنه كان بوسع الرئيس نميري أن يزيد الضرائب والأسعار والجبايات لكنه اختار أن يصارح شعبه بما تمر به البلاد فالتف حوله الشعب وانتصر لكرامة السودان، هكذا يكون القائد.
رحل النميري وأصبحت صورته الى هذا اليوم معلقة في كثير من بيوت السودانيين وعندما تنظر اليها تجعلك تشعر بالفخر).. انتهى البوست وبقي الدرس الذي نستخلصه من هذه الحادثة الوطنية التاريخية والظاهرة التي لن تتكرر في المستقبل القريب.
شخصياً لم أستبعد من الرئيس جعفر نميري هذا الموقف رغم العداء السافر لبعض معاصري فترته، فالرجل كانت له مواقف كثيرة لا زال يذكرها له التاريخ، وتتداولها الدول العربية بفخر، وما أود أن أخلص له هنا أن المقارنة باتت معدومة بين ما قام به نميري وما قام به خلفه من رؤساء لم يقدموا ولا واحد بالمائة من الدروس والعبر التي قدمها نميري، حتى والسودان في أسوأ حالاته الاقتصادية.
بالأمس تناقلت الأسافير خبراً نشرته مدعوماً بصور مباشرة لأسر سودانية منظمة بن سلمان الخيرية بتقديمها لـ2000 وجبة إفطار وعدد 600 كيس صائم، الصورة أعادت للأذهان الصور التي شاهدناها إبان المجاعة التي ضربت الصومال قبل سنوات، ما يعني أن السودان بات ضمن قائمة الدول المعوزة الجائعة التي تتسول المأكل بعد أن أصبحت تتسول المأوى مع الخريف في عهد الإنقاذ، قارنت بين ما فعله الرئيس نميري وبين ما فعله خلفه ولم أجد سوى (قرعة ممدودة) على مدار العام لكافة الدول، الخليجي منها والأوربي وإن تنوعت أشكال القرعة، ولكنها في النهاية.
أصبحنا مضحكة ومثار تندر العالم من حولنا في عهد الإنقاذ وتضعضعت عزة الإنسان السوداني وكرامته وعفته التي كانت رهانه في كافة الجولات الخارجية، لم يكن السوداني يقبل أن يمن الناس عليه بشيء، ولم يكن يقبل أن يكون مثار شفقة أو عطف الآخرين. صورتنا السابقة بهتت وحلت محلها صورة نمطية بائسة للسوداني الجائع المنكسر الباحث عن لقمة عيش من منظمات الإغاثة.
السودان ما زال يبحث عن القائد الحقيقي الذي يمنح المواطن حقه ويوفر له الخدمات بدلاً عن قصم ظهره بالجبايات، وتضييق الخناق عليه ومطاردته بغرض مقاسمته لقمة عيشه.
الحل الوحيد لمسح هذه الصورة هو تغيير هذا النظام، والسعي الجاد لإيجاد القائد البديل الذي بيده إعادة ما فقده السودان وإنسانه.