الخصومة السياسية والضرب تحت الحزام ...
مقال منقول جدير بالقرأة
الخصومة السياسية والضرب تحت الحزام: معارك كسر العظم بين المتصدرين للمشهد السياسي مقامرة بمستقبل شعب بأكمله..
استغلال السلطة المادية والأدبية لفرض أمر واقع سياسي مسألة ليست بالمستجدّة، فهي توجد في كل العصور والعهود.. واستغلال سلاح الإعلام/ سلاح الجيل الرابع/ في شيطنة الخصوم ومحاولة تصفيتهم بالكلمة والصورة أمر صار مألوفا أيضا.. لكن الوضع في ليبيا يختلف إلى حدّ ما عن التجارب السابقة والمعاصرة في بلاد كثيرة من المنطقة العربية والشرق أوسطية..
في ليبيا أطراف كثيرة سيطرت وحكمت وهيمنت منذ سقوط النظام السابق وأنتجت مشهدا سياسيا وأمنيا يختزل فبراير بمكوناتها وارتهاناتها وعيوبها المطلقة.. هذه المكونات تصارعت فيما بينها ونهش بعضها لحوم البعض الآخر وما يزال.. ودارت رحى صراعاتها وفي قلبها الشعب الليبي الذي دفع الثمن وسدّد الفاتورة من معيشته وأمنه ووحدته وكرامته.. المكونات فبرايرية بالطبع، تحالفت بكافة تناقضاتها وتجاوزت عداواتها الأيديولوجية لإسقاط الدولة وكان لها ذلك بفضل التدخل الأجنبي. لكنها بعد أعوام من الفشل ومع إطلالة كل مرحلة جديدة، تحاول التمويه على الليبيين وإجراء فرز جديد يسمح لها بالبقاء في المشهد، وتبادل المواقع دون حياء، ودون أية إضافة حقيقية لليبيين.. ودون أية حلول.. ودون كشف حساب. فالأمر محض صراع على المصالح والمكاسب والسلطات ولا يهم دمار الوطن ولا تخريبه..
في هذه المرحلة، اقتضت لعبة تبادل المواقع وقانون معركة كسر العظم بين المكونات التي هي جزء من المشكلة، ولم تكن أبدا جزءا من الحل في ليبيا، أن تمارس التصفية ضد بعضها بعضاً، وأن تقتتل إعلاميا وسياسيا بأشد الأساليب خسة وقذارة.. فصرنا نسمع عن "شيطنة العسكر".. وأصبحنا نسمع عن "إرهاب الإخوان"!! وعن "العلمانية" وعن "المداخلة" و" الاستقطاب اليومي"..وغير ذلك مما تزخر به الصفحات والمواقع والشاشات.. لكن هذه التسميات كلها تدخل ضمن معركة الصراع الأساسي بين معسكر حفتر بوصفه أشد الأطراف تسليحا وطموحا إلى السيطرة، والإسلاميين بوصفهم الخصم الأول لحفتر.. وانجذبت أطراف هامشية أخرى إلى المعسكرين ضمن اصطفاف كسر العظم..
تفاصيل المسألة وتشعباتها كثيرة والحديث فيها ذو شجون.. لكن الخطورة التي يكتسيها الأمر تقتضي قول كلمات واضحة فيه، والتفصيل ضروري تؤكده الحاجة الملحّة إلى حسم المواقف..
1- أن الإسلاميين مكون فبرايري تحالف مع حفتر وغيره من تيارات النكبة.. وقاتلوا الدولة الليبية معا وحكموها وخربوها ودمروا الوطن بالكامل.. واشتركوا في فكرة العزل السياسي وشيطنة أنصار النظام السابق والتنكيل بهم..
2- أن حفتر والإسلاميين وغيرهم مكونات سياسية ضمن ليبيا الحالية ويمكن أن يكونوا ضمن المشهد السياسي المستقبلي في ليبيا بموجب التسويات والتفاهمات، وهذا قرار الشعب الليبي يتحمل مسئوليته فيه إذا اتخذه.
3- أنه لا يحق لحفتر ولا للإسلاميين إدخال البلد في صراع عسكري مزيف تحت أي عنوان لمزيد نهب مقدرات البلد وتقسيمه وشق صف شعبه بسبب عدائهم السياسي أو العقائدي..
4- إن المشهد السياسي الذي يتوق إليه الليبيون مشهد ديمقراطي يستوعب الليبيين كافة ولا يقصي أحدا إلا بالقانون ووفق الشرعية المؤسساتية والشعبية للدولة..
5- الاستحقاقات الانتخابية التي سيُحتكمُ فيها إلى الشعب هي التي ستكون الأداة الأساسية لإرساء نظام حكم ديمقراطي لا إخواني ولا عسكري.. وأية محاولة لتوظيف صراعات إعلامية من اجل إسقاط فكرة الانتخابات وحرمان الشعب الليبي من حقه في الاقتراع جريمة يجب أن يدفع ثمنها كل من يتورط فيها.
6- لا يمكن لليبيا مسالمة ورخية ومستقرة أن تقوم على سلطة السلاح، ولا على كهنوت العداء الأيديولوجي، أو الإلغاء والحروب العبثية.
7- إذا كان لدى حفتر أو غيره مشكلة مع الإسلاميين أو الإخوان فلماذا لا يدفعوا باتجاه الانتخابات ويطردونهم بالصندوق؟ والعكس بالعكس؟ لماذا على الشعب الليبي أن يدفع ثمن صراعهم؟
8- محاولات الجري بالليبيين سلوك فبرايري مترسّخ، والتمويه بأن هنالك مشكلة دينية أو عقائدية في ليبيا كذبة كبرى.. أما الإرهاب فالمسمى شامل يقتضي التخصيص والتوضيح وينبغي أن يحسمه الدستور ويحاكم بالقانون أيّا كان مصدره.
9- مساحة ليبيا وظروفها وملابسات الخلافات فيها تؤكد استحالة أي حسم عسكري في مناطقها كافة.. ولا يمكن لأحد أن يستخدم السلاح كي يشطب أي مكون بسبب تعقيدات الخلافات والاصطفافات الحالية.. لذلك لا بد من استبعاد فكرة الزج بالبلد في حروب استنزاف وكراهية والعبث بوحدة الليبيين بسبب الرغبة في استنساخ تجارب لا تحتملها قدرات البلد ولا عدد سكانه ولا طبيعة التحديات المرتقبة فيه.. فالشعب الليبي في غِنَى عن أية نزاعات وتشظيات جديدة وأي فرز ينبغي أن يتم بالقانون والقضاء.. وما يهمه هو أن يتفرغ إلى العمل وإعادة الإعمار واسترداد السيادة..
في الختام، هذه نصيحة إلى الجميع..
لا يمكن لأحد بناء شعبية بالكذب في بلد حرّ.. ولا يمكن لأحد أن يستقوي بالسلاح في بلد ديمقراطي..
أستفيقوا من أحلام اليقظة إذن.. فقد اشتركتم في تدمير ليبيا.. وعليكم اليوم أن تتحلّوا بقليل من الرجولة والشجاعة في هذه المرحلة لكي تصل إلى الشاطئ بأقل الخسائر.. أما المكاسب فإننا على يقين أنها لن تتحقق للبلد بأمثالكم.. والسلام.