قضية خاشقجى ..
قضية خاشقجي.. قراءات مختلفة وتداعيات أخطر من الخطورة..
مقال منقول…
بعيدا عن عدوى لغة الاصطفاف التي أصابت النخبة الليبية هذه الأيام.. فإنني أعتقد أن ما يجري منذ ما يقارب أسبوعين، في علاقة بما يسمى بأزمة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ينبئ بأن الأمور آخذة في التفاعل والذهاب إلى تطورات بعيدة تتجاوز الجانب الجنائي التقليدي..الحادثة التي تحولت إلى قضية إعلامية وسياسية ثنائية فإقليمية، ثم عالمية، أصبحت ككرة النار المتدحرجة التي قد تمتد ألسنتها وتطول كافة البلدان الخليجية الهشة استراتيجيا وجيوسياسيا.
المشكلة أمر في غاية الإحراج لمؤسسة الحكم في السعودية، وكذلك لتركيا، لكن أطرافا كثيرة تسعى لاستثمارها كلّ وفق مصالحه وأطماعه ومخاوفه.. فالنزاع الإقليمي في منطقة الخليج والشرق الأوسط كلّه، كان ينتظر مثل هذه الحكاية كي يزداد استعارا وشدة.. وكل محور كان ينتظر لخصمه كبوة أو هفوة أو حتى عثرة..
الأمر مرشح لتطورات دراماتيكية بدأت ملامحها تظهر خلال هذه الساعات.. ولا أعتقد أن الأزمة سوف تمر دون أن يستثمرها ترامب أو بقية حكومات الغرب الذين يعرفون الحقيقة تماما ويدركون أن حليفهم السعودي قد ارتكب حماقة العمر التي ستضعه تحت طائلة الابتزاز لأعوام عديدة قادمة، على الرغم من محاولات الإفلات الساذجة التي قامت بها مؤسسات إعلامية محسوبة على الرياض، فلم تزد المشهد إلا بؤسا ورذالة..
مأساة العرب هو ما هُم عليه من غطرسة ومكابرة ومعاندة.. فبغبائهم وسذاجتهم يقدمون على أوضع الأعمال وأشدها حقارة، ثم لا يلبثوا أن يصطدموا بالجدار.. ولا تسأل حينها عمّا يستدعيه هؤلاء العرب من تبريرات ونعرات اصطفافات ومحاور لا علاقة لها بملف جنائي يفترض أن يعالج بمنطق الإدانة أو البراءة وسلاح فيه إلا للأدلة والقرائن التي تحفظ حق المتهم والضحية، فلا يزدادون إلا صَغارا وانكشافا في نظر شعوبهم المغلوبة على أمرها أو الغارقة في الإيهام والدعاية السخيفة ..
المضحك المبكي هنا هو أننا كليبيين انقسمنا حول القضية كالعادة، واستدعينا الاصطفافات كأشدّ ما يكون.. كالعادة ابتعدنا عن الموضوعية والحياد.. وكعادتنا كنا مستهلكين للصوت والصورة والتحاليل التي ينتجها غيرنا..
ما هي مصلحتنا في توريط السعودية على سبيل المثال؟ وما الذي سوف نكسبه لو نجح الأتراك في إثبات إدانة السعوديين؟ وما الذي سوف يتحقق للقضية الليبية لو عُوقب السعوديون أو تاجر الأتراك أو ضغط ترامب على السعودية أو ابتزها حلفاؤه؟
القضية قضية رأي عام عالمي.. وبصرف النظر عن الموقف من خاشقجي أو أهميته أو اصطفافه أو نهجه الفكري وعلاقته مع نظام الحكم في بلده، فإننا قد جرّبنا الظلم وذقنا الإجرام بما يجعلنا كبشر وكمسلمين ضد مسألة القتل أكان بين الأشخاص أو بين الدول، أو بين الدول ورعاياها، هذا إذا لم نجد الجرأة للاعتراض على تصفية صحفي بسبب آرائه أو معارضته لنهج الحكم في بلده..
نحن نحمل هموم قضية وطنية ونناضل منذ أعوام ضد الظلم والإجرام والبطش والغطرسة.. فحري بنا أن ننسجم مع قناعاتنا، ومبادئنا ولا ننخرط في موجة النفاق والتزلف المذموم في الخلق والعرف والدين.
في الختام، فإن هذه القضية المثيرة أو كما سمّاها البعض "لعنة خاشقجي" سوف يكون لها من التداعيات ما لا يخطر على بال.. وسترغم التطورات دول الخليج على إعادة النظر في كثير من الأمور والقضايا، بل قد تُغيِّرُ موقفهم حتى من الثوابت والبديهيات..