يسكوه...اسم أو لقب بلغتنا التباوي...كناية عن السواد؟
·
============
في سنوات طفولتنا؛ كانت عقولنا ساذجة وأرواحنا غضة وقلوبنا بريئة، وكان أهالينا متفرغين تماما لحشو تلك الأوعية الفارغة بكل حمولاتهم من "الموروث الثقافي" وحكايات ما قبل النوم، وتحديد رموز الخير والشر .. ومن ضمن ما ترسب فيها في تلك السنوات المبكرة: "الخوف" من اللون الأسود، والتعامل معه كرمز "للشر والعدوان".
كان مجيء الليل محفزا لأخيلتنا المحلقة والمرتبكة لاستحضار قوى الشر؛ فتظهر العفاريت، وتبدأ الكلاب في نُواحها الحزين محملا برائحة الموت. وإذا أرادت أمهاتنا أن نكف عن القفز واللعب ما عليها إلا أن تذكر قصص الغولة، وأبو رجل مسلوخة وغيرهم من الشياطين ( موشاه)... الذي يتأهبون لالتهامنا، وطبعا كل هؤلاء الأوغاد كائنات سوداء شريرة، لا تظهر إلا في الليل، لأنها تخشى بياض النهار.
الغراب...(وآيي )...يجلب النحس لأنه أسود، والقطة...( أنغام)...السوداء هي جنّية شريرة، والكلب...(الكدي).. الأسود هو شيطان خارج من حفلة تنكرية، والقلب ( أور يسكوا).. الحاقد لونه أسود، واليوم المتعثر المشؤوم هو يوم أسود، والحزن على الميت باللون الأسود ...وهكذا صار الأسود رمزا للشر بينما الأبيض هو لون الخير .. فالقرش الأبيض هو المنجاة في اليوم الأسود.
(2)
الألوان جميعها من "خلق" الله سبحانه، وهي سمات الطبيعة وعناوين جمالها و"ليس لها علاقة بالخير والشر"، وهي ليست مكلفة بأي دور أخلاقي، إلا بمقدار ما تخزنه ذاكرتنا ونسقطه على واقعنا بعملية تلقائية تتم بدون تفكير وتخلو من المنطق.
الألوان هي مجرد رؤية ظاهرة امتصاص وانعكاس طيف الضوء الطبيعي، وعلينا أن "نحبها" أو "لا نحبها" كمسألة "ذوق" إنساني واختيار يخضع لمقاييس الجمال النسبية المتحركة والمتغيرة، وبمعزل عن التوظيف الفلسفي لها.
ولو نظفنا ذاكرتنا من هذه النظرة الأخلاقية للألوان؛ سنجد أن لكل لون مكانته المميزة في قلب كل إنسان، بل أن الأسود يعتبره البعض "ملك الألوان"؛ فالسيدة الأنيقة ستختار الأسود لفستان المساء الحالم، ورجل الأعمال سيشتري سيارة سوداء "رمزا للفخامة"، والشاعر سيرتدي المعطف الأسود ليقرأ قصيدته.
ولو نظرنا بتأمل لوجدنا أن الأسود كان سببا في جمال الكثير من الأشياء التي حولنا؛ فالغراب بالنسبة لشعوب كثيرة من أجمل الطيور، والحصان الأسود من أرقى الخيول، والكلاب والقطط السوداء قد تكون من أندر السلالات، والزنبقة السوداء ما زالت حلما للمشتغلين بجمال الأزهار، والليل بدون قصص العفاريت، هو للسهر والعشق والاغتسال بضوء النجوم.
السؤال ..هل اللون الأسود له قيمة في ثقافتنا التباوية...؟
علي أنر -باحث فى الثقافة التباوية